منذ أن عاد حزب المؤتمر إلى السلطة في الهند إثر الانتخابات العامة الأخيرة التي دعا إليها حزب بهارتيا-جناتا وخسرها، والعلاقات الهندية-الباكستانية تشهد تطورات إيجابية ملحوظة، من شأنها لو استمرت أن تتمخض عن زوال التوتر الشديد الذي شابها خلال فترة تولي بهارتيا جناتا السلطة في الفترة الماضية. فخلال تلك الفترة استثمرت الحكومة التي شكلها حزب بهارتيا جناتا آنذاك مجموعة من الأحداث السلبية المتلاحقة، كالهجوم الذي شنه مسلحون على قاعدة عسكرية هندية في كشمير أودت بحياة 34 جندياً هندياً، والهجوم المسلح الذي تعرض له البرلمان الهندي في ديسمبر 2001 وخلف ما لا يقل عن 14 قتيلاً، للتهديد بمهاجمة باكستان. لقد نتج عن تلك الأحداث أن تفاقم العداء الشديد بين الطرفين. وهو إن لم يؤد إلى حرب ساخنة إلا أنه أدى إلى استقطاب دولي حظيت فيه الهند بدعم دولي لموقفها على أنها وقعت ضحية للإرهاب.
إن أعمال العنف والعنف المضاد تتصاعد بين الهند وباكستان بشكل متكرر. ففي يوليو 2002 على سبيل المثال استمرت موجة العنف لأسبوعين كاملين قبل أن يتم نزع فتيلها. وتلك الأعمال شدت انتباه العالم بأسره وحبست أنفاسه وأصبحت مجال تركيزه لأنها كانت تنبئ بنشوب أول حرب نووية شاملة ومعلنة بين دولتين من دول العالم. وفي الوقت الذي استمر فيه التصعيد العسكري في الارتفاع تارة والخبو تارة أخرى، فإن اهتماماً قليلاً أولي للأسباب التاريخية التي أدت بالطرفين المتعاديين بمرارة الوصول إلى حافة هاوية الحرب الرابعة بينهما منذ تقسيم شبه القارة الهندية. وتلك المرة كادت الحرب أن تنشب في ظل حيازة كلا الطرفين لترسانته الجديدة من القنابل النووية والصواريخ الحاملة لها.
وعلى أية حال فإنه في تلك الفترة تولد قبول لادعاءات الهند بأن أسباب المشكلة تكمن في الدعم النشيط الذي أبدته باكستان للجماعات المسلحة التي تتسلل عبر خط حدود السيطرة التي أوجدتها الأمم المتحدة لكلا الطرفين. وفي تقديري فإن ذلك التفسير السطحي الذي طرح والذي بدا قابلاً للتصديق في ظل الظروف الدولية التي كانت سائدة والتي خلفتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأميركية على العالم أجمع، كان يهمل إلى حد كبير المدى الذي كانت فيه المواقف المتطرفة هي المسبب لمثل تلك المآزق سواء كانت صادرة من الهند أو باكستان.
وبشكل متساوٍ فإن تلك الادعاءات أهملت أيضاً حقيقة أنه في الوقت الذي عملت فيه باكستان طوال السنين الماضية على استخدام مشكلة كشمير لخوض حروب بالإنابة ضد الهند وفي صالح أطراف أخرى، فإن الحركات المسلحة في شطري كشمير تخوض حروباً حقيقية وبكل قناعة لكي تتخلص من كلا الطرفين. فحركة التحرير الكشميرية هي حركة قومية-وطنية يخوضها الكشميريون لتحقيق الاستقلال عن كلا الجانبين وتشكيل دولة كشمير المستقلة. ودليلنا على ذلك أنه في الشق من كشمير الواقع تحت السيطرة الهندية تحولت الأوضاع إلى العنف الدموي عام 1989 بعد سنوات طويلة من سوء الإدارة لشؤون الإقليم والفساد. وذلك بالإضافة إلى الترتيبات المفتعلة لتوجيه الانتخابات وجهة خاصة تستهدف إقصاء المرشحين الكشميريين ذوي النزعة الوطنية الاستقلالية عن الوصول إلى السلطة المحلية للإقليم.
إن لسان حال الكشميريين يقول: إننا تحملنا كثيراً منذ الاستقلال وطوال الفترة الطويلة التي مرت منذ ذلك الحين حاولنا الحصول على مطالبنا المشروعة بالطرق السلمية دون جدوى، ولم نتحول إلى العنف إلا بعد أن اختارت الجهات ذات العلاقة عدم الاستماع إلى ضمير الشعب الكشميري والمنادي بالاستقلال والحرية. ويلاحظ في هذا السياق بأن دوامة العنف كانت تنمو بشكل ثابت ومستمر، وتتطور إلى الأسوأ منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين وإلى هذه اللحظة، في الوقت الذي درج فيه الطرفان الهندي والباكستاني على إرسال المزيد من القوات إلى المنطقة وحشد المزيد منها على خطوط التماس الساخنة.
وكما ذكرنا فإنه منذ عودة حزب المؤتمر الأخيرة إلى سدة الحكم فإن العلاقة بين الهند وباكستان تشهد انفراجاً ملحوظاً، ومن أهم المؤشرات الدالة على ذلك في هذه المرحلة اتفاق حكومتي البلدين على تجديد الحظر على إجراء التجارب النووية، وعلى إقامة خط ساخن بين وزيري خارجيتيهما للتخفيف من مخاطر نشوب الحرب في شبه القارة الهندية. وتجدر الإشارة إلى أن خطاً ساخناً من هذا القبيل موجود منذ مدة ويربط بين القادة العسكريين الكبار من كلا الطرفين. وفي سياق تحسن العلاقات وارتقاء مستوى الحوار تم عقد لقاء مباشر بين وزيري خارجيتي البلدين يوم الاثنين الموافق 21 يونيو 2004 حيث تم اللقاء في الصين على هامش مؤتمر إقليمي يعقد هناك.