وجهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية توبيخاً لإيران بسبب رفضها التعاون مع المفتشين الدوليين المكلفين بالتحقق ممّا إذا كانت طهران تفي بالتزاماتها بخصوص منع الانتشار النووي. فإلى أي مدى ينبغي أن نشعر بالقلق ؟ وماذا يعني ذلك؟.
لقد اعترفت إيران نفسها بأنها تطور مقدراتها النووية لتخصيب اليورانيوم الذي يشكل إحدى طريقتين لإنتاج المادة الإنشطارية بمواصفات تلائم صنع الأسلحة النووية. وعلى رغم أن طهران تزعم أن نشاطاتها مكرسة لغرض واحد فقط وهو إنتاج الطاقة النووية لأغراض سلمية وأن هذه النشاطات تسمح بها معاهدة منع الانتشار النووي، فإن مقدرة تخصيب اليورانيوم فور وجودها ستعني عملياً إختفاء عقبة رئيسية أمام إنتاج سلاح نووي. وتشير إدانة الوكالة الدولية لطهران إلى أن العالم قد يكون على حافة حدوث انهيار خطير في نظام منع الانتشار النووي، ناهيك عن تحوّل ذلك إلى سبب جديد لانعدام الاستقرار في منطقة ذات أهمية حرجة وحساسة.
وربما أن غياب الرد الدولي الفعال حيال مساعي كوريا الشمالية إلى تطوير مقدرة نووية قد أدى سلفاً إلى دخول بلد آخر في صفوف القوى النووية. ذلك لأن من الممكن افتراض أن كوريا الشمالية قامت هذه السنة بإعادة معالجة كميات من اليورانيوم تكفي لصنع ما بين ستة وثمانية أسلحة نووية أخرى، لا بل إن التقارير أفادت بأنها تعمل أيضاً على إنتاج مقدرة لتخصيب اليورانيوم إلى جانب قدرتها الحالية على إعادة معالجة البلوتونيوم المستخلص من قضبان الوقود المستهلك. وإذا سُمح الآن لإيران بتطوير مقدرة لتخصيب اليورانيوم، فسيكون من المستحيل تقريباً إقناعها بالعدول عن استحداث مقدرات تخصيب اليورانيوم وبالتالي استحداث مقدرة لإنتاج المادة النووية اللازمة لصنع الأسلحة النووية.
فها نحن نشهد لحظة حرجة؟. وهل نحن جادون في مساعينا نحو منع الانتشار النووي، أم أننا سنتفرج على العالم وهو ينحدر إلى هوة اضطراب شديد تكثر فيه المادة النووية المستخدمة في صنع الأسلحة إلى جانب مقدرة مدمرة تفوق التصور وتتوفر لأي بلد أو جماعة حاقدة على المجتمع؟.
التحديق في تلك الهاوية ينبغي أن يحثنا على التحرك. فماذا يمكننا أن نفعل؟ الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا أظهرت من جانبها درجة مشجعة، وإن تكن غير كافية، من التعاون بخصوص برنامج إيران النووي. أمّا روسيا فكانت هي المصدر الرئيسي للمساعدات في مجال تطوير قوة إيران النووية، لكن الروس أبلغوا إيران بأنهم يتوقعون منها إعادة الوقود النووي المستهلك من مفاعل بوشهر إلى روسيا، وهو ما بدا أنه إشارة روسية إلى أن روسيا أيضاً ليست لها مصلحة في السماح لإيران بتطوير مقدرة لإنتاج الأسلحة النووية.
وينبغي أن يتيح هذا الوضع لهذه القوى الخمس تعميق تعاونها إلى درجة تشكيلها لجبهة موحدة أمام إيران. ومن الممكن لها أن تعلن عن أنها ستقدم إلى إيران مساعدة كاملة في مجال تطوير مقدرات توليد الطاقة النووية، وذلك بموجب الإجراءات الوقائية الملائمة. ويعني ذلك أن من الممكن لها أن تعرض تقديم إمدادات كافية من الوقود النووي إلى مفاعلات الطاقة النووية الإيرانية بمعدلات ملائمة، إضافة إلى نقل الوقود المستهلك إلى خارج إيران. وفي مقابل ذلك، ستكون إيران مطالبة بالتخلي عن أية محاولة تهدف إلى تخصيب اليورانيوم أو إلى إعادة معالجة الوقود النووي المستهلك.
ولابد من الاعتراف في هذه اللحظة بأن ذلك سيكون عرضاً من الصعب على الولايات المتحدة أن تقدّمه، إذ أنه يتطلب منها أن تضع جانباً قلقها الجاد حيال نطاق آخر من السلوك الإيراني غير المقبول. غير أن الفوائد في منع الانتشار النووي كبيرة إلى درجة أنها ستكون كفيلة بالتطرق إلى هذه المسألة على نحو منفصل.
وإذا كانت إيران صادقة في تأكيداتها الرسمية على أن سعيها إلى الحصول على الطاقة النووية هو فقط من أجل توليد الكهرباء، فمن شأن ذلك أن يكون إلى حد بعيد هو الوسيلة الأكثر فعالية واقتصادية لتحقيقها هذا الغرض. ومن الممكن للاتفاق حول ذلك أن يمهد الطريق إلى عقد مناقشات حول المسائل الأوسع المثيرة للقلق بين الأطراف المعنية، بما في ذلك المسائل الأمنية.
وإذا رفضت إيران هذا العرض، فسيكون من الواضح أن غرضها هو الحصول على الأسلحة النووية. وعندئذ ينبغي نقل المسألة إلى مجلس الأمن الدولي، كما ينبغي تطبيق أشد أشكال العقوبات على إيران.
لكن على رغم أن إيران تشكل قضية ملحّة، فإننا سنخفق في التعامل معها إذا تطرقنا إليها كحالة منفصلة. فالبرازيل، شأنها شأن إيران، أعلنت عن نيتها بناء منشأة لتخصيب اليورانيوم. وإذا أعطينا إذناً للبرازيل في حين نمارس الضغط على إيران، فإن ذلك لن يعني فقط أننا نرسل الرسالة الخطأ إلى الدول الساعية إلى الحصول على القوة النووية، بل إنه سيقلّص كثيراً أية آمال بالنجاح مع إيران.
ومن شأن التنازل بخصوص برنامج تخصيب اليورانيوم البرازيلي أن يقسم البلدان ذات الطموحات النووية إلى قوى صالحة وقوى شريرة. فمنهج كهذا سيوفر لإيران سلاحا