مع اقتراب الموعد النهائي المحدد لنقل السيادة رسمياً إلى سلطة عراقية مؤقتة، بات من الطبيعي أن يتساءل المراقبون عن حجم التغيير الحقيقي الذي سيحدث. بول بريمر سيغادر العراق، لكن جون نيغروبونتي السفير الأميركي الجديد إلى العراق سيحل محله على الفور. وستبقى القوات الأميركية في البلاد، كما ستبقى مسؤولة مسؤولية مباشرة أمام السلطات العسكرية الأميركية (هذا على رغم أن من المفترض أن تقوم بـ "تنسيق" أعمالها مع السلطات العراقية). ولذلك من السهل أن نصل إلى استنتاج مفاده أن التغيير الذي سيحدث لن يكون كبيراً.
لكنني في رأيي الشخصي أعتقد أننا نوشك أن ندخل في مرحلة جديدة من مراحل تجربتنا في العراق. فما تغير ليس هو الواقع على الأرض في العراق. ولذلك سيتواصل وجود المشكلات الصعبة- وهي مشكلات الأمن وإعادة بناء البنية التحتية وتشكيل نظام سياسي قابل للتنفيذ- لكن ما تغير حقاً هو الموقف الرسمي في واشنطن حيال العراق، والرأي العام الأميركي، وهذا على وجه أكثر عمومية.
ولا ينبغي أن ننسى أبداً أن الغزو الأميركي للعراق كان "حرباً مختارة"، وأن أولئك الذين اتخذوا قرار استخدام القوة كانوا مدفوعين برؤية أيديولوجية قوية. وكان هناك بالطبع كلام كثير عن أسلحة التدمير الشامل وعن تنظيم القاعدة، إضافة إلى السجل الفظيع لصدّام حسين في مجال حقوق الإنسان. لكن أولئك الذين ضغطوا في اتجاه الحرب كانوا أيضاً يحملون رؤية معنية بشرق أوسط جديد يبرز من بين حطام نظام صدّام. ووضع هؤلاء ثقة كبيرة في فاعلية وكفاءة القوة العسكرية الأميركية، وكانوا يعتقدون أن زوال صدّام ستتبعه على الفور سلسلة كاملة من التطورات الإيجابية في الشرق الأوسط. وقالت الافتراضات إن الأنظمة الأخرى المعادية للولايات المتحدة، أي سوريا وإيران، ستفهم الرسالة التي مفادها أنه سيكون عليها أن تتغير بطرقها الخاصة. وبموجب ذلك سيتم إبلاغ الأنظمة الفاشستية الأخرى بأن وقت الاصلاحات الديمقراطية قد حان. بل إن المتفائلين أيضاً اعتقدوا أن التغيير في بغداد من الممكن أن يفتح الطريق إلى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
وبطبيعة الحال، لم يكن أمام هذه الرؤية المتفائلة فرصة كبيرة. ذلك أنه تم ارتكاب أخطاء كثيرة جداً في شهور الاحتلال في العراق. وكان الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة بطيئاً جداً في إعادة الخدمات الأساسية إلى الشعب العراقي، كما أنه تعجّل كثيراً في حل الجيش العراقي، وكان ممانعاً أكثر مما ينبغي في السماح للعراقيين بالمشاركة في تشكيل مؤسساتهم السياسية. وقد تم منح المنفيين العراقيين وزناً أكبر من اللازم، في حين تم تجاهل أصحاب النفوذ الحقيقي مثل آية الله علي السيستاني لفترة طويلة أكثر مما ينبغي.
وأتت نقطة التحول فيما يتعلق بالكثير من الأميركيين، ومنهم بعض من يشغلون مناصب رسمية، في الأشهر الأولى من العام الحالي. آنذاك، بات واضحاً أن مجابهة الاحتلال تكبر وتتعاظم؛ وكان مجلس الحكم العراقي ذا شرعية ضئيلة في نظر الشعب العراقي؛ واتضح أيضاً أن الوضع الأمني لا يسير في طريق التحسن، وأن خطة بريمر المعقدة المعنية بالانتقال إلى سلطة عراقية جديدة ودستور عراقي جديد هي خطة لن تحقق النجاح. وجاءت المحاولات الأخيرة التي قام بها المتشددون في إدارة بوش مع حصار الفلوجة واتخاذ قرار ببذل محاولة للتخلص من مقتدى الصدر. واصطدمت المحاولتان الأخيرتان بمقاومة عنيفة؛ وفي غمرة الانشغال بالهجوم على ميليشيا مقتدى الصدر، تفشّت فضيحة سجن أبو غريب، وهو الأمر الذي أدى بمجمله إلى تقويض عميق لما تبقى من الرؤية الأخلاقية المعنية بعراق جديد والتي دأبت إدارة بوش على الترويج لها.
وأخذت كل هذه النكسات ضريبتها من إدارة بوش. فعلى رغم أن الاقتصاد كان في طريق التعافي وأن كيري الخصم الديمقراطي لبوش لم يشن حتى الآن حملة انتخابية فعالة، فإن استطلاعات الرأي العام تُبيّن وجود تعادل بين بوش وكيري من حيث عدد الأميركيين المؤيدين لكل منهما. وليس في هذا أنباء تسر خاطر رئيس مرشح باق في منصبه وكان قبل سنة من الآن يحظى بشعبية واسعة جداً.
ويضاف إلى ذلك أن بوش تعرض للإحراج بسبب العجز عن تقديم دليل يؤكد وجود أسلحة التدمير الشامل في العراق، وكذلك بفعل الإشارات المتزايدة إلى أن إدارته كانت مهملة في التعامل مع التهديد الذي تشكله منظمة القاعدة في الأشهر السابقة لهجمات 11 سبتمبر 2001. ومن المنتظر أن يتم في القريب العاجل نشر تقرير اشترك في إعداده أعضاء من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري)، وهو تقرير لا يجعل الإدارة تظهر في موقف مناسب جداً.
وأخيراً، هناك الأدلة التي جمعها الأميركيون في العراق والتي تؤكد أن أغلبية العراقيين لا يعتبرون القوات الأميركية كقوات تحرير، وذلك خلافاً لما ورد في تأكيدات المحافظين الجدد لنا بأن الحال ستكون كذلك، بل يعتبرونها قوات احتلال. ويريد معظم العراقيين من الأميركيين أن يرحلوا عن العراق في أقرب وقت ممكن. ويضاف إلى ذلك أن زعماء راديكاليين من أمثال مقتدى