شرعت الحكومة من خلال قرارات مجلس الوزراء باستهداف قطاعات وأنشطة محدّدة لتطعيم المواطنين بها وتأسيس قاعدة وظيفية يكون التوطين جزءا رئيسيا من خطط واستراتيجيات القطاع الخاص. ففي القرار الخاص بتوطين 2% من إجمالي الوظائف في الشركات التجارية التي لديها أكثر من خمسين عاملا فإن التقديرات المبدئية تؤشر إلى إمكانية توفير أكثر من3 آلاف وظيفة سنوية للمواطنين، وذلك وفق تقارير هيئة تنمية.أما على المدى الطويل فإننا بتوطين كل الوظائف الإدارية والتنفيذية والمبيعات في وكالات استقدام وتوظيف العمالة والسفر والسياحة والعقارات، سيتم توفير حوالي 16 ألف فرصة وظيفية للباحثين عن عمل من المواطنين.
ومع استمرار تطبيق ومتابعة القرارات الحكومية السابقة بالتدخل في قطاع البنوك والمصارف والتأمين وبنسبة 4% و5% على التوالي، فإن الفرص الوظيفية في مجال القطاع الخاص واعدة وثرية إذا ما أثبت هذا القطاع جدّيته ومسؤوليّته في مشاركة الحكومة ومساعدتها في تحقيق أهدافها بصورة تمتص من خلالها التحديات والعقبات التي تواجه قضية التوطين وإحلال الوظائف بالدولة.
هذه هي الحقائق والآمال التي تتعامل معها هيئة تنمية وفق الأرقام الصريحة والشفافية العالية حتى لا نقع في المطبّات المفتعلة لإفشال الخطوات العملية لتوفير الوظيفة المناسبة لأبناء الوطن. وفي هذا الإطار وذات الفترة وعلى نفس المنوال قامت المملكة العربية السعودية بتطبيق قرار السّعودة الكامل لوظائف محلاّت الذهب والمجوهرات التي تقدّر بأكثر من 25 ألف وظيفة كان يشغلها أجانب.
وشدّد الأمين العام لمجلس القوى العاملة السعودي على ضرورة سعودة جميع وظائف الباعة في محلاّت الذهب والمجوهرات من دون استثناء كخطوة أولى لتوفير نحو 500 ألف وظيفة لسعوديين في العديد من الأنشطة التجارية خلال الثلاث سنوات المقبلة. وأكّد على ضرورة تطبيق عقوبات صارمة بحق المخالفين للقرار يتمثّل في إغلاق المحلاّت وترحيل العمالة المخالفة إضافة إلى غرامات مالية.
ويقدّر حجم المبيعات السنوية لسوق الذهب والمجوهرات في السعودية بنحو ثمانية مليارات ريال وهو من النشاطات التي يقبل عليها السعوديون كمجال للعمل ولا سيّما وأن السوق تقدم رواتب مجزية تصل إلى ستة آلاف شهريّاً.
وعلى هذا الأساس فإن تجربة الإمارات في التدخل في بعض الأنشطة الجارية لصالح توفير وظائف مناسبة لم تأت اعتباطا وإنما بنيت على دراسات علمية لسوق العمل بالدولة، وعليه تم اختيار الأنشطة المستهدفة لارتفاع نسبي في مؤشرات الإنتاجية والربحية ومجال خصب لاكتساب المهارات المطلوبة بسهولة داخل الدولة وهي تناسب كذلك الإناث أكثر، وتحديدا للشريحة الكبيرة من المهن المكتبية.
وعلى هذا المنوال يمكن خلال السنوات القليلة المقبلة استهداف قطاعات وأنشطة أخرى لفرض نسب التدخل من قبل الحكومة حتى يتم ضمان انتشار المواطنين في القطاع الخاص أفقيّاً بحيث لا تمرّ سنوات قليلة إلاّ ونجد التوطين قد أتت أكله في كل أروقة المجتمع، وتضيق الفوارق بين فرص التوظيف في القطاع العام والخاص. فوجود سياسات مدروسة وواضحة ومتدرّجة للتدخل في بعض القطاعات الحيوية وسيلة مجدية لضمان حسن سير عملية التوطين بالدولة.
واعتماد آلية للمراجعة الدورية حول جدوى هذه السياسات وتغييرها وفق ما يتم التوصل إليه من نتائج عملية، يضفي الكثير من المصداقية حول الهدف المنشود من توطين الوظائف بهذه الصورة الواقعية.