هل الولايات المتحدة الأميركية جادة في موضوع تطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط؟ أم أن ذلك جزء من اللعبة السياسية لكسب التأييد من القوى الليبرالية والديمقراطية واليسارية في الوطن العربي، وذلك بهدف خلق تيار يقف معها ضد التيارات السياسية ذات التوجه السياسي الإسلامي، وبالتالي فهي محاولة لخلق جبهة جديدة في المجتمعات الشرق أوسطية تجمع كل القوى الديمقراطية وذات التوجه الإصلاحي، سواء من اليسار أو الوسط، ممن كانوا وما زالوا يناضلون من أجل مجتمع ديمقراطي، يؤمن بالتعددية السياسية، وبحقوق الإنسان والدعوة إلى إحداث تغيير جذري للعقلية السياسية، وربما راديكالي من منظور الأنظمة السياسية في المنطقة، حيث إن تطبيق الديمقراطية حسب المفهوم الغربي، وحسب الشروط الموضوعية لذلك الطرح لم يعد له وجود في المنظومة السياسية لمعظم دول الشرق الأوسط، بما فيها بعض الأنظمة التي تدعي أنها تمارس الديمقراطية. إن تلك الممارسات التي تسمى ديمقراطية ما هي إلا شكلية، تذكرنا بصور الديمقراطية المركزية التي مارستها الأنظمة الشمولية، أو الأحزاب الشمولية سواء في الجانب اليساري أو في الجانب اليميني من الحركات السياسية،.الإنسان يدفع ثمن تلك الممارسات سواء على مستوى من يستلم زمام السلطة، أو أولئك الذين يدعون إلى إقامة النظام النموذجي.
إن هناك من يحاول أن يرجع عجلة التاريخ إلى مراحل لا يمكن العودة اليها مهما كانت الظروف الذاتية والموضوعية. فلا الوقت هو نفس الوقت ولا المجال العالمي يسمح بالتلاعب بمصير العالم المتقدم. لقد دفع الإنسان ثمناً غالياً في طريقه نحو الديمقراطية ولكن في ظل تلك الدعوات الغربية، هنالك من يركب الموجة حينما يرى بالعين المجردة أن الديمقراطية قادمة لا محال، وأن قطف الثمار قد حان من دون تقديم أية تضحيات، أو العيش تحت الخطر الدائم من قوى كانت تسحق كل من يحاول أن ينطق بكلمة ديمقراطية أو حرية. إن بروز هذه النماذج من البشر تجعل من الواجب إعادة النظر في السلوك الإنساني اليومي من حيث توافقه مع الروح الديمقراطية والإيمان المطلق بحرية البشر من كافة أشكال الأغلال، سواء ما هو متعلق بالجانب المادي أو المعنوي. فأعداء الديمقراطية بالأمس يصعب أن يكونوا جنودها اليوم لولا أن انتهازيتهم تدفعهم لأن يكونوا في طليعة الذين يرفعون راياتها مع أنهم كانوا يتفرجون عندما كان الآلاف من البشر يقدمون حياتهم ثمناً لترفع تلك الرايات.
أعود من جديد لطرح السؤال المهم هل الولايات المتحدة جادة في طرح موضوع الديمقراطية في الدول الصديقة لها في العالم العربي والإسلامي؟! إن تجربة القوى الديمقراطية مع تاريخ الولايات المتحدة في هذا المجال مريرة. فالولايات المتحدة نفسها هي التي أجهضت التجربة الديمقراطية في تشيلي سابقاً ومازالت تحاول أن تنال من رئيس منتخب من قبل شعبه وبصورة ديمقراطية في فنزويلا، لأنه يسير في خط لا يتفق مع المصالح الرأسمالية. والولايات المتحدة نفسها هي التي أوجدت سبينوزا ودعمته، وهي التي أوجدت حكومات الجنرالات في جمهوريات الموز في أميركا اللاتينية، وهي التي دعمت ومازالت تدعم أعتى قوة عنصرية في الوقت الراهن إسرائيل التي تحرم المواطن الفلسطيني من أي حق من الحقوق، حتى حقه في أن يكون له بيت يأوي إليه أو شجرة يتفيأ بظلها حيث تدمر إسرائيل المنازل وتقتلع أشجار الزيتون والبرتقال من جذورها.
ولأننا نطمح بالديمقراطية ونسعى إليها أياً كان مصدرها، ولأننا لا نريد أن ننظر إلى الخلف قدر ما ننظر إلى الأمام، فدعونا نصدق الولايات المتحدة في دعوتها. ولنسأل إذا كانت هناك بعض الدول المارقة التي تغرد خارج السرب وترفض الاستجابة للدعوات الأميركية نحو التغيير، فما الذي يمنعها من تطبيق الديمقراطية في المناطق التي تعتبر فيها هي الآمرة الناهية وتنتشر جيوشها فيها، ولها فيها حاكم مقيم يأمر وينهى؟!
إن الإنسان الواعي يدرك أن الاتجاه نحو الديمقراطية وحرية الإنسان، مشوار طويل جداً. وأن الديمقراطية لن تأتي مجاناً ودون ثمن، وهي تصنع بالقوى الذاتية للمجتمع. لذلك فإن من المهم أن يخطو الإنسان الخطوة الأولى نحو التخلص من القمع والاضطهاد وعدم المساواة والعبودية بكافة أشكالها القديمة والحديثة.
كلمة أخيرة إذا كانت هناك جهات خارجية تحاول أن تفرض الديمقراطية على الدول العربية الإسلامية قسراً وأن تلك الدول تعلن أنها لن تقبل بديمقراطية تفرض من الخارج، فلماذا لا تبادر تلك الدول بانتهاج الديمقراطية الخاصة بها وبإرادتها وإفساح المجال أمام مواطنيها لبناء ديمقراطية وطنية تصنع مستقبلاً مشرقاً للمنطقة؟!