جأت نتيجة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لتدعم الاستنتاجات التي تختمر منذ فترة في أروقة واشنطن الرسمية، والتي تفيد بأن نظام الاستخبارات الأميركي يعاني من خلل خطير، وأن الوقت قد حان لاتخاذ إجراء ما بصدده.
وأي عملية إعادة تنظيم، سوف تتطلب بالأساس وضع لقب ومسمى وظيفي جديد لوظيفة الرجل الذي يقوم بإدارة الاستخبارات المركزية، والتي ستخلو عما قريب بعد رحيل جورج تينيت. والإصلاح الناجح لأجهزة الاستخبارات الأميركية سيتطلب ثلاثة أشياء هي: تحقيق المزيد من الاستقلالية للوكالة. تقليل عدد التكليفات والمسؤوليات الأخرى التي تشتت انتباه القائمين على إدارتها. وإيجاد طريقة لتجزئة الهيكل العام لأجهزة الاستخبارات، وإجبار المنظمات والمؤسسات العديدة الأخرى على التعاون معها.
والتغيير لن يكون سهلا وخصوصا إذا ما عرفنا أن الرؤساء الأميركيين ومديري الاستخبارات المركزية كانوا يحبذون دائما بقاء الأوضاع على ما هي عليه. ولكن الشيء الذي يمكن اعتباره مؤشرا على أن الأمر جد مختلف هذا المرة، هو هذا الكم من الضربات المتلاحقة التي وجهت إلى الوكالة من خلال التقارير الكاملة للجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ونتائج تحقيق مجلس الشيوخ التي سيتم إعلانها في وقت لاحق في هذا الصيف. والأخطاء الاستخباراتية الصارخة التي تم ارتكابها لا بد وأن تثير سؤالين مهمين هما: كيف فشلت الوكالة فشلا ذريعا في مسائل تعتبر من صميم اختصاصها؟ وما الذي يمكن عمله لضمان عدم تكرار مثل هذه الأخطاء مستقبلا؟
التقارير المنتظر صدورها سوف تبدأ كما هو متوقع بعدد لا يحصى من الاستشهادات والاقتباسات -من مصادر مختلفة- للتدليل على فشل الوكالة، وستنتهي بقائمة طويلة من المقترحات والتوصيات. ولكن ما نود قوله في هذا السياق، هو أن مثل تلك القوائم الطويلة سوف تشتت الانتباه، وتوهن العزم ومن ثم فإن الأفضل هو البحث عن الأجزاء المعطوبة في هيكل الوكالة والتوصل لطرق لمعالجتها على أساس الأهم فالمهم.
إن الدراسات، والأبحاث، والمناقشات العامة، والتقارير الأخبارية عن الحادي عشر من سبتمبر، والتاريخ السري للاستخبارات خلال فترة الحرب الباردة، تشير كلها إلى أن المواضع المتعددة للخلل الوظيفي في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية يمكن اختزالها إلى موضعين فقط: رفض المنظمات الاستخباراتية المتعددة للتعاون فيما بينها، وميل مسؤولي الاستخبارات- وكذلك منظماتها المتعددة- لتفسير الأدلة الضئيلة أو الغامضة بطريقة تؤدي لدعم افتراضات ورغبات المسؤول أو المنظمة التي تقع في المستوى الأعلى مباشرة على سلم التسلسل الهرمي الوظيفي.
والحل الأمثل لتلك المشكلة، ولمشكلة الصراع بين الأجهزة الاستخباراتية المختلفة كذلك، يتمثل من وجهة نظرنا في تعيين مسؤول بدرجة وزير فوق مدير الاستخبارات المركزية، كي يكون مسؤولا عن عمل كافة الأجهزة الاستخباراتية في الولايات المتحدة. إن كلمة مدير في حد ذاتها هي التي قد تؤدي إلى إثارة المتاعب. فأي محاولة لوضع جميع الأجهزة الاستخباراتية تحت مدير واحد تتجاهل سبب إنشاء الوكالات الاستخباراتية المختلفة في المقام الأول، كما أنها تمثل تهديدا للحرية والديمقراطية قد يتضاءل إلى جانبه أي تهديد عرفناه من قبل. ولكن القيام بتعيين وزير لخدمات الاستخبارات يتيح الفرصة في هذه الحالة للقيام بمنح مثل هذا الوزير صلاحيات أوسع تمكنه من الإشراف على الأداء، وتخصيص الأموال، وفرض التعاون بين الأجهزة المختلفة عندما يكون ذلك التعاون مطلوبا، مع حماية أي مسؤول أو أي موظفين من الجهات التي تحاول استغلال نفوذها.
وإنشاء منصب وزير لخدمات الاستخبارات بغرض إدارة مجتمع الاستخبارات الأميركي، سوف يتيح الفرصة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، لإدارة الوكالة فقط، مع تحريره من عبء إدارة المنظمات الأخرى الهائلة الحجم مثل وكالة الأمن القومي، ومكتب الاستطلاعات الوطني. إن مديري الاستخبارات في مختلف العهود، حاولوا القيام بتلك المهمة المستحيلة- إدارة عدة منظمات في وقت واحد- ولكنهم فشلوا... كما أن الوقت الذي أضاعوه في ذلك صرف انتباههم عن الواجبات التي كان يتعين عليهم القيام بها في الـ"سي. آي إيه".
وأي خطوات أخرى لإعادة تنظيم الاستخبارات الأميركية ستعد غير ذات جدوى، إذا ما قورنت بالخطوة الخاصة بوضع مسؤول بدرجة وزير بين الـ"سي آي إيه" وبين البيت الأبيض. ومما لا شك فيه أن الرؤساء الأميركيين سوف يغضبون من مثل تلك الخطوة، لأنهم يحبون التحكم في المعلومات، ناهيك عن رغبتهم الدائمة في امتلاك أداة مستعدة لتنفيذ محاولاتهم السرية. والمديرون المستقبليون للمخابرات المركزية، سوف يندمون على المجد الضائع عندما كانوا يمثلون في يوم من الأيام اليد اليمنى للرئيس. ولكن الاثنين- الرئيس والـ"سي. آي.أيه"-سوف يتغلبان بالتأكيد على هذا الوضع، بل إن رئيس الـ"سي. آي.أيه" قد يتعلم من ذلك تقدير قيمة العمل في مطبخ ذي درجة حرارة أقل حدة.
إن البيت الأبيض والسيد