صورة رأس منفصلة عن الجسد امتنعت عن بثها وكالات الأنباء، صورة شاب قتيل تناقلها العالم، صورتان من الرياض المدة الزمنية بينهما لا تزيد على الأربع والعشرين ساعة، أغمضت عيني عن بشاعة الأولى، وتأملت الثانية، صورتا ضحية وقاتل أم كلاهما ضحية، أولهما ضحية الثاني وثانيهما ضحية نفسه. منذ أن أعلن اختطاف الأميركي "بول مارشال جونسون" في الرياض، ومنح تنظيم "القاعدة" سلطات الأمن السعودية مهلة 72 ساعة للإفراج عن معتقليه في سجون المملكة مقابل الإفراج عن الرهينة الأميركي، والرفض السعودي القاطع لهذا الابتزاز كما ينبغي لها، كان الموت محتوما، لم يبقَ إلا انتظار الخبر اليقين. ومع انتهاء المهلة كان النحر فظهر الرأس مفصولا عن الجسد،. بشاعة في القتل وتمثيل بالجثة باسم دين لا يجرح الأموات حتى بالكلمة "اذكروا محاسن موتاكم". وفقط لأننا مسلمون ومعنيون كنا نأمل يأساً أن لا يكون ما كان. فباسم الإسلام نحر الإسلام. كيف نفسر بعقلانية أننا نمر بمرحلة بقايا العقل إلى مرحلة الفوضى والظلام والتعصب؟ كيف نبرر أن هؤلاء من شياطين الإنس، طوفان اجتاح الشباب العربي المسلم باسم الصحوة الإسلامية، فكر يمجد ثقافة الموت، الهدم بدل التعمير، فكر منحرف لكنه للأسف فكر موجود معاصر بكل ظلاميته، له مريدون ومؤيدون بيننا.
أعلنت سلطات الأمن بالسعودية عن قتلها لما سمي بقائد تنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب عبد العزيز المقرن، فكانت الصورة الثانية، هل هو إخراج جديد لسيناريو قديم مضى عليه أكثر من عقدين؟ صور تدعو للتأمل تستدعي صورا قديمة، أحداث ووريت التراب، دخلت في خانة التابو والمحرم، كانت أكبر من أن تبحث، ملف أغلقته الحكومة، لكن جذور الفكر المنتج له ظلت كامنة، فهل نمت بذرة العنف وثقافة النحر في كهوف "تورا بورا" واستوردها الأفغان العرب؟ أم أن الثقافة الدينية المتطرفة كان ولابد أن تجنح للمزيد من التطرف، أم هي انحراف وتشويه لفكر يستند ويسند الدولة لسنوات؟ الباب الذي كان مواربا أصبح مفتوحاً على مصراعيه، فكانت حتمية الصدام مع الدولة والمجتمع. فمن يا ترى أخرج المارد من قمقمه؟ وهل بالإمكان إعادته؟
كانت لغزوات "القاعدة" دائما تبريرات عند مؤيديها والمتعاطفين مع فكرها تستمد مفرداتها من الاحتلال الإسرائيلي والدعم الأميركي، الغزو الصليبي للعراق وقبلها الحرب على دولة الإسلام "الطالبانية"، فلسطين، العراق، الشيشان، أفغانستان وغيرها. مفردات نسمعها دائما في كلام بعض رجال الدين بالدعاء على أعداء الإسلام والمسلمين من النصارى واليهود والمشركين، وهي مفردات عامة وضعها البعض في قوالب محددة فكان التكفير، ومن تكفير أهل الكتاب تطور الخطاب إلى تكفير المسلمين المختلفين مذهبا، لتكفير المجتمع، فتكفير الدولة. كمسلم قد أؤيد عمليات "القاعدة" تحت أي مبررات دينية أم أخلاقية أو استنكرها، قد أشمت أو أبرر الغزوات السابقة لكن عندما تكون أرض المعركة داري فالأمر مختلف، هذا واقع حال العديد من مؤيدي فكر أو المتعاطفين مع "القاعدة". وعندما تنتقل العمليات من شاشات التلفاز إلى بيتي فالأمر جد مختلف. لكن الإرهاب هو الإرهاب كان على هذه البقعة الجغرافية أم تلك في بيتي أم في بيت جاري. بدأت أفعال النحر أول ما بدأت بالعراق فكان لها مبرروها، وثمة تشابه يصل إلى حد التطابق بين وسائل الجماعات القتالية في العراق والسعودية، فكلها تعتمد وسيلة قطع الرؤوس بالسكين أو آلات القطع الحادة. كما حصل للمقاول الأميركي "بيرغ"، وكما حصل في عملية الخبر وأخيرا وليس آخرا نحر الرهينة الأميركي. فكيف اسمي الأولى جهادا والثانية إرهابا؟ أية ازدواجية أعيش فاحرّم دماء وأُحلَّ أخرى؟ تبرير الإرهاب إعلاميا هو العدو الأول للمملكة العربية السعودية، خطاب التبرير من "أستنكر ولكن" "أرفض ولكن"، تبرير الإرهاب بـ"لكن"، هذه هو أخطر من رأس المطلوب رقم واحد ولنتذكر عندما يلتحف الإرهاب برداء الدين لا تكون المعالجة الأمنية مجديه إلا وقتياً وتتضاعف مسؤوليات المجتمع بكل فئاته من إعلاميين وتربويين وخطباء مساجد وسياسيين للوقوف بوجه طوفان الإرهاب. وتجارب الدول العربية السابقة دروس لابد من الاستفادة منها، من الجزائر إلى العراق فالسعودية، نحر الإسلام قبل كل شيء. تلك كانت مجرد تأملات في صورة لوجه شاب قتيل يحمل ملامح أعرفها.