يتابع المراقبون السياسيون الأحداث الدموية المؤسفة في السعودية كنتيجة للإرهاب، ورغم كل التأكيدات الرسمية بأن الحكومات الخليجية ومنها الحكومة السعودية جادة في استئصال جذور الإرهاب وتمويله والأفكار التي تدعو إليه.. إلا أن واقع الحال يقول إن الحكومات الخليجية فشلت في إيجاد البدائل المختلفة للشباب الخليجي لإبعادهم عن العمليات الإرهابية.
إن معركتنا الحقيقية في استئصال الإرهاب تنحصر في كسب واستقطاب الشباب الخليجي من الجماعات الدينية المتطرفة.. مشكلة الأنظمة الخليجية تكمن في حقيقة أنها لا تعي تماماً ماذا يعني أن يكون 70% من السكان في الخليج أعمارهم تقل عن 25 عاماً، بمعنى آخر أننا نعيش في منطقة معظم سكانها من الشباب، لذلك يحتاجون إلى عناية وتركيز خاص حتى لا يتم استغلالهم من جماعات متطرفة لها أهداف سياسية معروفة.
إننا نسأل ما هي الفرص الموجودة للشباب لقضاء أوقات فراغهم؟ كل المتوفر الآن هي الرياضة وتشترط أن ينتمي الشاب إلى نادٍ معين حتى يمارس هوايته الرياضية.
كان يمكن إيجاد فرص بديلة أو موازية للرياضة من خلال الأنشطة الفنية والغنائية والمسرح والسينما والثقافة والأدب والشعر وممارسة هواية المراسلة بالكمبيوتر وغيرها من الأنشطة الشبابية البريئة.. لكن تدخل السياسيين خصوصاً من لديهم ميول دينية حزبية واضحة منع الحكومات من طرح البدائل. ففي الكويت مثلاً منع مجلس الأمة الكويتي إقامة الحفلات الغنائية في صفقة مشبوهة مع الحكومة، حيث يغض نواب الإسلام السياسي النظر في استجواب وزير الإعلام محمد أبو الحسن مقابل أن توافق الحكومة على "ضوابط" إقامة الحفلات، ومن نصوص الضوابط العشرة لإقامة الحفلات محاولة الحد من الاختلاط بين الجنسين في الحفلات وعدم رقص الشباب أو الشابات في الحفلات وضرورة لبس اللباس المحتشم وعدم السماح للرجال بدخول الحفلات التي تحييها النساء أو العكس صحيح. كل هذه الضوابط السخيفة واللامعقولة تم إقرارها بدون الأخذ في الاعتبار ماذا سيترتب على ذلك على المدى البعيد.. مزيد من دروشة الشباب الخليجي وانخراطهم في جماعات الإسلام السياسي.
في السعودية ظهرت فتوى جديدة لا تجيز إهداء الزهور والورود للمرضى في المستشفيات ولا يجوز شرعاً الاحتفال في عيد الحب "فالنتاين". هذه الإجراءات التعسفية على عقمها وعدم مواكبتها لروح العصر تعطي مؤشراً خطيراً على كيفية معالجة قضايا الإرهاب في دول الخليج العربية، فهم لا يفكرون في طرح بدائل حضارية للشباب، وكل ما يفكرون فيه هو الاستمرار في النهج القديم في إدارة دفة الحكم. لماذا لا تشجع الحكومات الخليجية الفن والموسيقى والمسرح؟ فلقد ثبت علمياً أن الموسيقى ضرورة للإنسان لتهدئة أعصابه وراحته النفسية، فهي غذاء للروح والجسد ولا يمكن لأي أمة أن تبدع وتزدهر بدون رفع الإحساس الفني لشعبها.
إذا كنا فعلاً جادين في محاربة الإرهاب، علينا إقامة أنشطة متعددة للشباب عدا الرياضة، فالاكتفاء بالأنشطة الدينية لا يفي بالغرض المطلوب. لذلك علينا إقامة أنشطة ثقافية وفنية وموسيقية وترتيب رحلات للبلدان الأخرى وجعل الشباب يتحاور مع غيره من شباب المعمورة حتى يكتسب خبرة في الحوار ولغة التسامح.
ما نحتاج إليه فعلاً عقليات شبابية متجددة تعطي الشباب ثقة بأنفسهم وتحترم اختياراتهم وطموحاتهم.