شعبولا هو المطرب الشعبي المصري شعبان عبدالرحيم، (المكوجي) الذي استطاع بضربة حظ والدنيا أرزاق، أن يصبح محط إعجاب وقبول المجتمع المصري في فترة وجيزة. وبرغم انتشاره شعبياً، وجهت إليه سهام النقد والاتهام بتخريب الذوق الفني في مصر، والإسفاف والتفاهة ونعوت كثيرة سمعتها في بعض البرامج الفضائية. وبسبب شعبيته فتحت له السينما أبوابها كما حدث مع المخرج الجاد صاحب فيلم (الكيت كات) الكوميدي الهادف، وفيلم آخر، ورأيناه كذلك في البرنامج الشهير "من سيربح المليون" للإذاعي القدير جورج قرداحي. ولا شك أن من حق كل إنسان أن يبدي رأيه في أسلوب وأداء هذا المطرب، لكن ليس من حق أحد أن يصدر حكماً عليه من الناحية الشخصية أو حتى حكماً على طريقة غنائه، لأن الناس أذواق، وما يعجب (أ) قد لا يعجب (ب)، وليس بالضرورة أن يعجب (جـ). ولذلك أتساءل: أليس من الديمقراطية التي تعطي الناس مبدأ تكافؤ الفرص وحق التعبير عن الذات، أن نقبل أو نتقبل وباحترام، هذا الإنسان المدعو "شعبان عبدالرحيم" وأن نحترم اختياراته في الحياة لصفته الإنسانية، وخاصة أنه لم يؤذ أحداً من عباد الله؟ أليس من الديمقراطية أن نحترم خيارات الناس في تحديد أذواقهم في الحياة سواء في الفن أو حتى في الأكل؟ لماذا يجب أن نكون استبداديين تجاه الآخرين؟
لقد تعجب ابني حين طلبت شريطي كاسيت للمطرب شعبولا من صاحب المحل، بل إن صاحب المحل نفسه نظر إليّ مستغرباً، أستاذ جامعة وكاتب يستمع لهذا المطرب؟! وكأنه كتب على أستاذ الجامعة أن يعيش في برج عاجي بعيداً عن الناس بسبب شهادته! واستمعت إلى الشريط فوجدت موسيقى صاخبة بعض الشيء، وهو أمر طبيعي في الغناء الشعبي، لكن في المقابل وجدت صوتاً على قدر جيد من التناسق (أحسن من صوت هيفاء وهبي مثلاً)، وكلمات جميلة لأنها ذات موضوع هادف، فقد كانت الأغنية تنصح الشباب بعدم الميوعة، وتنصح البنات بالستر والاحترام، كما رأيت بعض البرامج التي استضافت هذا المطرب ليس بهدف التعرف عليه، بل للأسف، لفضحه وإبراز شعبيته، وضعف مستواه التعليمي، ولقد احتقرت هذه البرامج التي لا تراعي شعور الإنسان ولا تحترم الإنسانية.
لكن أياً كان رأينا في هذا الإنسان البسيط أو في فنه أو طربه، تبقى القضية الأهم، أن المجتمع الديمقراطي يتيح لكل إنسان الحق في استخدام مواهبه بالطريقة التي يراها مناسبة، سواء في الطرب أو الرسم أو النحت أو الرقص أو الكتابة. وفي هذا المجتمع الديمقراطي يتنفس الجميع هواء الحرية المدنية والفكرية، ولا يوجد داع للتجريح وإصدار الأحكام الظالمة، ولكل إنسان حق عدم الاستماع إلى أغاني شعبولا أو غيره، لكن ليس من حق أحد إصدار الأحكام. لكن مشكلة بعض العرب، خاصة بعض المسلمين، أنهم يعتقدون في أنفسهم العدالة في التقييم، وفي واقع الحال أنهم يعشقون الاستبداد الكامن في لا وعيهم (شوية فلسفة ما تضر!)، ولا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، في حين أنه يفترض قبولنا بـ(الآخر) أياً كان توجهه الفكري أو الفني، وما يضرنا في شيء تنوع الأذواق في كل شيء. ولقد حاولت أن آكل ما يطبخه ذلك التايلندي ولا أدري أكانت فئراناً أم سحالي، لكن استبداد الزوجة (المعاناة المشتركة لكل الأزواج) منعني من ذلك، وإلى اليوم أتمنى لو أنني (عاندت) وإلى الآن أتساءل: ما هو طعم تلك المخلوقات الزاحفة مشوياً؟