منذ فترة كتبت في هذا المكان مقالا أغضب البعض عن الرابط بين الإرهاب الذي يضرب العراق والإرهاب ذاته الذي يشن حرب تخويف تستهدف البلاد والعباد في المملكة العربية السعودية الشقيقة. وقلت إن الإرهاب الذي يضرب البلدين، هنا وهناك، وجهان لعملة كريهة واحدة. فالإرهاب يضرب العراقيين الآمنين والأبرياء من المدنيين الأجانب الذين قدموا إلى العراق بهدف المساهمة في إعادة أعماره، وهو ذاته الإرهاب الذي يضرب السعوديين الآمنين والأبرياء من المدنيين الأجانب الذين قدموا إلى المملكة بهدف المساهمة في بنائها.
الكثيرون يفهمون ما نذهب إليه من قول وتحليل، ولكن البعض المتأثر بلغة الإعلام العربي والفضائيات العربية، ظن أن هناك فرقا بين ما يحدث في العراق وما يحدث في السعودية. وهؤلاء هم ضحايا الإعلام العربي الذي يصور عمليات قتل المدنيين الأبرياء في العراق على أنها بطولات خارقة، وهو في هذا التصوير لا يفرق بين حق المقاومة وجريمة قتل الأبرياء العزل.
ولكن حين وقعت الاعتداءات الإرهابية الخسيسة في المملكة العربية السعودية مؤخرا، أدرك بعض الإعلاميين والمفكرين العرب، وخاصة الخليجيين، أن الصمت وعدم الإدانة هنا يعني الكثير... فهو قد يعني القبول بضرب دولة خليجية عضو في تجمع عربي مهم هو مجلس التعاون الخليجي... مما يترتب عليه القبول بضرب الدولة التي ينتمي إليها هذا الإعلامي في حال صمته على ما يجري في المملكة. ومن هنا اضطر هؤلاء إلى إدانة عمليات قتل الأبرياء من المدنيين مهما كان جنسهم أو جنسياتهم، حتى لو كانوا أميركيين!. وهذا أمر جيد، وهو يعني أن هؤلاء الإعلاميين والمفكرين العرب والخليجيين، قد أفاقوا من سباتهم أخيرا وأدركوا أن هناك فرقاً كبيراً بين قتل الإنسان البريء وقتل جندي محتل، وأن ذبح أسير لا حول له ولا قوة، وتصوير عملية النحر هو وحشية لم يرتكبها أحط مخلوقات الله وأكثرها خسة وحقارة.
اختصار القول هو أن الإعلاميين العرب الذين كانوا وما زالوا يشجعون قتل المدنيين الأبرياء وذبح الأسرى في العراق، وجدوا أنفسهم أمام معضلة حقيقية حين أصبح الأمر متعلقا بقتل نفوس المدنيين الأبرياء في السعودية... فاضطروا إلى الإدانة والاستنكار حفاظا على ماء الوجه فقط!. هؤلاء هم بلا أدنى شك ضحايا للإسقاطات الخطيرة وللأفكار الشاذة التي روج لها الإعلام العربي وبخاصة الفضائيات، والتي بررت جرائم قتل المدنيين الأبرياء، بل أخذت تحتفل بها وكأنها تقيم حفلات أفراح.
أي عاقل شاهد عملية قتل الأميركي المدني الأعزل أمام بيته في الرياض، أدرك أن ما يحدث ليس تطرفا فقط وليس إرهابا فقط، بل هي خسة وجريمة يرتكبها مخبولون وقتلة مأجورون لا دين لهم ولا مذهب ولا ملة ولا ضمير. ولكن المأساة هي أن يجد هؤلاء الشواذ من يدافع عن أفعالهم الحقيرة، ولا أقول عن أفكارهم لأن هؤلاء لا فكر لديهم.
إن الإرهاب أصغر بكثير من أن يهز كيان دولة مثل المملكة العربية السعودية أو غيرها، فالدول لا تهزها عملية خطف هنا أو قتل هناك، ولكن العيب كل العيب في بعض الإعلام العربي الذي ما زال يعيش الوهم ويدافع عن الفجور الذي ينتهجه تنظيم "القاعدة" وأتباعه. فلقد ضرب التطرف والإرهاب من قبل دولا مثل مصر والجزائر وسوريا، ولكن في نهاية المطاف خرجت الدول منتصرة، وانقشع غبار الإرهاب على الرغم من أنه وجد من يدافع عنه حتى في إعلام الدول ذاتها التي ضربها.