إن دعم الإصلاح في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يتمثل في مجرد الدعوة إلى القيم المشتركة أو في ضمان حقوق الإنسان الأساسية – رغم أهمية الموضوعين بالنسبة لنا. لكنه أيضا مسألة عملية تمس المصالح الأميركية. وكما أعلن الرئيس بوش "فإنه عندما سترى المنطقة كلها وعد الحرية في قلبها ستصبح الأفكار الإرهابية غير ذات شأن يوما بعد يوم، إلى أن يأتي اليوم الذي سينظُر إليها فيه بازدراء أو يتم تجاهلها تماما".
إن الاستقرار ليس ظاهرة ثابتة، والأنظمة السياسية التي لا تنجح في إيجاد الوسائل التي تتلاءم مع طموحات شعوبها في المشاركة سيكون مآلها إلى الزوال والفناء. والنظم التي تتصف بغياب الخيار السياسي والشفافية في الحكم وإتاحة الفرص الاقتصادية والحريات الشخصية يمكن أن تتحول إلى مفارخ للتطرف. إن تجاهل مشكلات التنمية البشرية في الشرق الأوسط لم يعد خيارا ممكنا. وبطرح مبادرة الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا دخلت الولايات المتحدة في الصورة كقوة لدعم وتشجيع الإصلاحات التي نشأت في المنطقة.
وقد اعتمدت المبادرة على رسالة التقدم التي أعلنتها الجامعة العربية في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى أطراف أخرى. فقد أشارت الجامعة في البيان الصادر عن اجتماع قمتها في تونس إلى أهمية الإصلاحات؛ كما أعلن مجلس رجال الأعمال العرب عن ضرورة وجود مناخ أفضل للاستثمار والأعمال التجارية في المنطقة؛ وما جاء في تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية في الدول العربية؛ ومن خلال مؤتمرات الإصلاح التي عقدها المجتمع المدني في الإسكندرية والقاهرة وصنعاء وأسطنبول. إننا ندرك أن الإصلاح المفروض من الخارج لن تتاح له فرصة تحقيق أية فوائد دائمة. فكل دولة في المنطقة هي حالة فريدة وتمر بمرحلة مختلفة من التطور السياسي والاجتماعي والثقافي. وسنواصل حوارنا النشط مع الحكومات المحلية والمجتمع المدني حول أفضل السبل لدعم جهود الإصلاح الناشئ من الداخل.
إن دعم جهود الإصلاح ليس بديلا، بكل تأكيد، لأولوياتنا الأخرى في المنطقة. فحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وتحقيق تقدم نحو رؤية الرئيس بوش لحل الدولتين أساسيان لتحقيق الاستقرار في المنطقة. كما أننا ملتزمون تماما بالعمل مع الشعب العراقي من أجل بناء بلده. وهذه أهداف لا يمكن للولايات المتحدة أو المجتمع الدولي أن يختار منها ما يشاء ويترك سواه؛ إنما ينبغي علينا أن نسعى بتصميم وجسارة لتحقيق كل منها، وسوف نفعل ذلك.
إن الإصلاح يبدأ بتطبيق برامج يكون لها تأثير ملموس على حياة عامة الشعب، ومساعدتهم على تحقيق طموحاتهم. إن الإصلاحات السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية تدعم بعضها بعضاً، وتخلق الأمل وتتيح الفرص، ويكون لها تأثير إيجابي مضاعف في المجتمع. ومن الممكن أن تسهم حتى أصغر الخطوات في إتاحة الفرصة للشعب لتشكيل حياته، ومجتمعه ومستقبله.
ومن خلال مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط، نحن نشارك بالفعل الحكومات والمجتمع المدني في جميع أرجاء المنطقة لدعم توسيع نطاق الفرص السياسية، والديمقراطية، والإصلاح الاقتصادي والتعليمي، وتعزيز دور المرأة. وهذه المبادرة التي بدأت قبل عام ونصف العام، وهي شراكة على نطاق واسع مع الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص، تعتبر وسيلة رئيسية لدعم رؤية الرئيس بوش للديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا.
وبالنسبة لمجال الإصلاح السياسي، فإن التركيز ينصب على تقوية ودعم الحريات والعملية الديمقراطية والحكم الصالح. لقد أشرفنا على إدارة برامج للتطوير البرلماني؛ وقمنا بتمويل مؤسسة تعليمية إقليمية في قطر لتوعية النساء بالحملات الانتخابية؛ وشاركنا مع البحرين في رعاية منتدى قانوني (قضائي)؛ كما مولنا برامج لتدريب الصحفيين في المغرب وتونس والجزائر ولبنان والبحرين.
وتمشيا مع هدف الرئيس بوش لإنشاء منطقة للتجارة الحرة في الشرق الأوسط خلال عشر سنوات، فإن مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط قدمت مساعدات تقنية لدعم الإصلاح في القطاع الاقتصادي والبدء في عمليات التجارة البينية على المستوى الإقليمي بحيث تتماشى مع المفاوضات الجارية بشأن اتفاقيات التجارة الحرة واتفاقيات إطار العمل للتجارة والاستثمار. وقد بدأنا نرى النتائج: ففي شهر مارس انضم المغرب إلى الأردن ليصبح ثاني دولة عربية تستكمل مفاوضات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.
ومن غير الممكن تحقيق الرخاء الاقتصادي والمؤسسات الديمقراطية القوية بدون قوة عمل متعلمة تعليما جيدا. ومن أجل جسر الهوة في المعرفة والمهارات، تركز برامج مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط على قضايا مهمة وحساسة مثل إصلاح مناهج التعليم، وتدريب المدرسين ومشاركة المجتمع والقطاع الخاص في العملية التعليمية. واستنادا إلى نماذج محلية جديدة ومبتكرة مثل مبادرة التعليم في الأردن، فإننا نطور ونطبق نموذج "مدارس الشراكة" الذي يركز على الحلول المبتكرة والخبرة التكنولوجية لتحسين نوعية ومستوى التعليم في المدارس الابتدائية وال