يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون عقد العزم على وضع نهاية للاحتلال العسكري والمدني الإسرائيلي لقطاع غزة في عام 2005. فقياساً إلى رجل كرّس حياته لتوسيع الاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية، يُعتبر هذا تحركاً لم يسبق له مثيل.
فبعد تأمينه الموافقة على خطته من جهة الرئيس "جورج دبليو بوش"، تجاوز شارون اعتراضات حزب الليكود وفرض الآن خطة الانسحاب وإخلاء المستوطنات على كل الحكومة الإسرائيلية.
وقد عُرض على المستوطنين اليهود الذين يعيشون في 21 مستوطنة وعددهم 7500 مستوطن، تلقي مبالغ نقدية فورية إذا بادروا بمغادرة المستوطنات طوعاً. أمّا أولئك الذين يرفضون المغادرة فسيتم إجلاؤهم بالقوة. وسيتم تشكيل وتدريب وحدة عسكرية خاصة إسرائيلية قوامها 2000 جندي لتنفيذ المهمة في العام المقبل. ومن المنتظر أن يتم الانتهاء من وضع تفصيلات التعويضات المالية. غير أن الصحافة الإسرائيلية تفيد بأن من الممكن أن تتلقى كل عائلة مبلغاً يصل إلى 300 ألف دولار أميركي لمساعدتها على الاستقرار من جديد في داخل إسرائيل.
السؤال الأول: هل سيحدث إخلاء المستوطنات حقاً، أم أنها ليست أكثر من خدعة لتشتيت انتباه العالم؟ من الواضح أن من الممكن حدوث أشياء كثيرة لإخراج الخطة عن مسارها في الأشهر المقبلة. لكن شارون على ما يبدو ملتزم بالهدف الاستراتيجي لإنهاء الاحتلال العسكري لقطاع غزة والذي بدأ في عام 1967.
السؤال الثاني: هل ينبغي أن تلقى خطة شارون لإخلاء المستوطنات ترحيباً من العرب؟ من الواضح أن الجواب لا بد من أن يكون بـ"نعم". فأي انسحاب إسرائيلي من أية مناطق هو مكسب للفلسطينيين مهما كان الانسحاب صغيراً. لكن هناك اعتراضات خطيرة. فأولاً، شارون رفض الانخراط في حوار سياسي مع الفلسطينيين حول إخلاء المستوطنات، كما رفض أي ربط لخطته بالمسائل السياسية الأوسع. ثم إن تحركه هذا تحرك من جانب واحد. وثانياً، ستحتفظ إسرائيل بالسيطرة الحصرية على الحدود البرية والبحرية لغزة، ويعني هذا أنها ستواصل السيطرة على أماكن دخول وخروج الناس والبضائع من وإلى القطاع. ومن المقرر حفر خندق بعمق 20 متراً على طول حدود غزة مع مصر ثم ملؤه بالماء لمنع السكان الفلسطينيين من تهريب الأسلحة. ويعني ذلك بكلمات أخرى أن غزة ستبقى على الأرجح، حتى بعد الانسحاب الإسرائيلي، سجناً كبيراً للسكان الفلسطينيين الذين يبلغ عددهم 1.3 مليون نسمة.
السؤال الثالث: هل سيكون في إخلاء مستوطنات غزة إحياءٌ أم قتلٌ لخريطة الطريق التي صاغتها الرباعية الدولية؟ توني بلير رئيس الحكومة البريطانية هلّل من جهته للخطة واعتبرها خطوة نحو خريطة الطريق. وقال "تيري رود لارسن" منسق الأمم المتحدة الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط إن "الانسحاب من غزة يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من خريطة الطريق وليس بديلاً عنها". لكن هذا ليس ما يقصده شارون، بل يناقضه تماماً.
ذلك أن شارون قرر التضحية بمستوطنات غزة لكي يعزز قبضة إسرائيل على الضفة الغربية. ولذلك أطلق خطة الانسحاب وإخلاء المستوطنات لكي يسيطر على المبادرة السياسية ويقوّض أسس أية خطة بديلة معنية بالسلام- سواءٌ أكانت خريطة الطريق التي طرحتها اللجنة الرباعية الدولية أو مبادرة جنيف الأكثر جرأة والتي طرحها كل من "يوسي بيلين" وياسر عبد ربه.
واقتضى النجاح الساحق الذي حققه شارون أن يعقد صفقة مع الرئيس "جورج دبليو بوش" كانت في مصلحته إلى حد بعيد. ذلك أن تعهد شارون بالانسحاب من غزة- وهو ما لا يريد صموده أي إسرائيلي عاقل- أمّن له موافقة بوش على بناء السياج الأمني الذي يلتهم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وعلى أن يضم إلى إسرائيل مستوطنات كبيرة حالية في الضفة الغربية.
والإنجاز الذي حققه شارون كان في الحقيقة تأمينه لموافقة الولايات المتحدة على سياسة التوسع الاستيطاني الإسرائيلية في الضفة الغربية- وفي هذا نقض للسياسة التقليدية الأميركية التي كانت تعتبر المستوطنات غير شرعية وانتهاكاً لاتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين. وبهذا تتعارض خطة إخلاء مستوطنات غزة مع خريطة الطريق تعارضاً صريحاً.
السؤال الرابع: ماذا سيحدث للمستوطنات إذا أو عندما يغادر المستوطنون اليهود؟ لم يتم اتخاذ قرار حاسم بهذا الشأن حتى الآن. لكن من المرجح أن يجري تفكيك كل الممتلكات المنقولة، بما فيها المصانع، ثم نقلها إلى داخل إسرائيل، كما أن من المرجح أيضاً أن يتم تدمير الكثير من البيوت التي تعود ملكيتها لأشخاص، وأن يتم نقل ملكية بضعة مبانٍ حكومية عامة إلى الفلسطينيين أو إلى طرف ثالث في مقابل دفع تعويضات.
وينسجم هذا مع ما حدث في مستوطنة "ياميت" في سيناء، وفي مدينة القنيطرة السورية في الجولان وفي مدينة السويس المصرية بعد عام 1973. فإسرائيل ستقوم بنقل ما يمكنها نقله لتدمر جزءاً كبيراً مما سيبقى. ولن ترغب إسرائيل في نقل ملكية المستوطنات القابلة للحياة إلى الفلسطينيين.
السؤال الخامس: ما الدور الذي يمكن لمصر أن تلعبه في ع