عندما انعقدت قمة الثماني في "سي آيلاند" في ولاية جورجيا الأميركية، كان من الطبيعي أن تحظى باهتمام إعلامي عالمي كبير. لكن اجتماع هذا العام كان استثنائياً وقد سبقته تسريبات عن مقررات كبيرة ستصدر وتحولات جذرية ستظهر وأبرز ما كان مطروحاً "مشروع الشرق الأوسط الكبير" أو "مشروع الإصلاح والتغيير في المنطقة". . وفي الواقع سبق ورافق انعقاد الاجتماع عمليات تهويل على العرب، وطرحت أفكار متعددة، وأدخلت تعديلات على مشروع الشرق الأوسط الكبير غيرت فيه بعض البنود في الشكل والمضمون من الاسم إلى كثير من العناصر والتفــــاصيل أهمها:"أن التغيير لا يفرض من الخارج"!.
لقد كان هذا مطلباً بل موقفاً للعرب. التغيير لا يفرض من الخارج. ولكل دولة خصوصياتها وطبيعة نظامها. وأهل مكة أدرى بشعبها. وبالتالي كان طبيعياً أن يحظى هذا المؤتمر الاستثنائي الذي دعي إليه بعض العرب – وكأنهم إصلاحيون أكثر من غيرهم – فحضر بعضهم ورفض الحضور بعض آخر، وكانت لقاءات جانبية للرئيس بوش مع الرؤساء العرب والأجانب. كان طبيعياً إذاً أن يحظى المؤتمر بالاهتمام الإعلامي خصوصاً بعد اجتماعات باريس والنورماندي التي عقدت بين الرئيسين بوش وشيراك، والتي ساد فيها جو من التفاهم التام بينهما، بددته بعض المواقف لشيراك في سي آيلاند خصوصاً عندما قال أمام بوش والإعلاميين:"إن العرب ليسوا بحاجة إلى مبشرين بالديمقراطية"! وإن المزيد من الضغط عليهم للتغيير سيولد مزيداً من الغضب والرفض، مؤكداً ضرورة حل أزمة الصراع العربي – الإسرائيلي!.
هذا واحد من سلسلة مواقف سبقت القمة وتخللتها وفرضت تراجعات على الأميركيين في اللهجة والنظرة السياسية العامة للمنطقة انطلاقاً من مشروع التغيير الموعود والمنتظر، وهذا ما يجب أن نتوقف عنده فنطرح بعض الملاحظات والتساؤلات:
1 - كل الإعلام الأميركي كان يقول:"مصير العرب في سي آيلاند". "عيون العرب شاخصة باتجاه سي آيلاند". "العرب ينتظرون ما سيصدر عن قمة الثماني". وبالتالي ثمة من يتناول مصير العرب في مكان، يحاول إصدار القرارات التي تتعلق بشؤونهم وهم ينظرون إليهم من بعيد بقلق وخوف وتردد! وينتظرون ما سيصدر! هذا هو دور العرب في رسم خطط مستقبلهم! وهذا معيب في الشكل والمضمون.
2 - إذا كان الموقف الفرنسي في هذا الجانب ممتازاً ومتقدماً، ومؤيدا لموقف العـــرب – ليس دفاعاً عن العرب بل لأن لفرنسا مصالح من حقها أن تدافع عنها – فهل يجوز ألا نسمع صوت الرؤساء والملوك العرب الحاضرين؟ لقد غاب هؤلاء وصمــــتوا، في مناسبة كان يمكنهم أن يسمعوا فيها صوتهم للعالم كله مؤكدين أن مجتمعاتهم وشعوبهم ودولهم ليست إرهابية وهي تواقة إلى التغيير.
3 - لقد اختصرت فرصة وإنجازات القادة العرب الحاضرين في القمة التاريخية، بلقاء كل واحد منهم مع الرئيس بوش لمدة ثلاث دقائق، للصورة فقط، مع أن ما شاهدناه أمام وسائل الإعلام، أظهر استخفاف بوش بالضيوف العرب.
4 - أميركا تحدثت عن التغيير والحرية والديمقراطية من كل المواقع، وخصوصاً من "سي آيلاند" ولم تدعُ إلى القمة حليفاً استراتيجياً هو قطر، فقط لأن الخلاف معها لا يزال قائماً على دور محطة الجزيرة كما قيل!
5 - في الواقع، لن تغير أميركا شيئاً في سياستها وستستمر في ممارسة ضغطها على الدول العربية بكل الوسائل. ولماذا تغير ما دام العرب لا يغيرون لا في ممارساتهم الداخلية ولا في نظرتهم إلى أميركا ولا يحاولون الاستفادة من مواقف بعض الدول مثل فرنسا وغيرها.
6 - إن المستفيد الأكبر من كل ما يجري هو مجدداً إسرائيل التي لا يزال أركان دول الثماني ينظرون إليها كونها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة رغم كل تاريخها الإرهابي وسجلها الأسود في انتهاك حقوق الإنسان والقوانين الدولية ويجب الانتباه إلى التحول الذي شهدته العلاقات الإسرائيلية – الفرنسية مؤخراً في اتجاه إيجابي بالتأكيد والذي عبر عنه بصفقة أسلحة بين الدولتين بلغت قيمتها مئات الملايين من الدولارات بعد انقطاع دام لعقود طويلة في هذا المجال! فماذا قدمنا نحن لفرنسا ولها مصالح كثيرة عندنا تأخرنا في تلبيتها أو في حماية ما هو قائم منها؟ وبالتالي، حيث كان يجب أن نغير انكفأنا، وحيث كان يجب أن نحافظ على علاقاتنا وأن نطورها، غيرنا المسار في الاتجاه السلبي وها نحن نحصد النتائج!
7 - بعض العرب استبق التحولات والمتغيرات، وتصرف وقدم نفسه انطلاقاً من "القدرة" على استشراف المستقبل وقرر التغيير. فانتقل كلياً إلى أميركا. سلم سلاحه النووي، وأسرار خزنته المخابراتية الأمنية الأخطر من النووية، وتاب. أصبح دولة سلام ومحبة. لليهود حق العودة إليها والتعويض عليهم! وتوجه نحو أفريقيا! ولكن فوجئنا بأن التغيير كان انتقالاً من مهمة إلى مهمة أخرى، فكشفت الشبكة التي كانت مكلفة باغتيال الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية. أهذا هو التغيير والتطوير المنتظران؟ أم أننا لا نزال في دائرة إسداء الخدمة لهذا أو ذاك على حساب و