يتناول الكتاب الذي نعرضه في الأسطر التالية "أزمة البرنامج النووي الإيراني"، ويبحث مؤلفه عصام عبدالشافي في طبيعة السياسات والممارسات والمواقف التي تبنتها الولايات المتحدة الأميركية خلال إدارتها لتلك الأزمة، وردود الفعل الإيرانية تجاه هذه المواقف وتلك الممارسات، ومدى كفاءة الأداء الإيراني في إدارة الأزمة. فما هي- أولا- الدوافع والاعتبارات التي تحكم السياسة النووية الإيرانية؟
في مستهل الكتاب يوضح مؤلفه جملة الدواعي الأساسية الكامنة وراء جهود إيران ومساعيها إلى امتلاك الطاقة النووية، وفي مقدمتها الدافع الاقتصادي متمثلا في تأمين 20% من الاحتياجات الإيرانية في مجال الطاقة، إلى جانب الدروس المستفادة من حرب الثماني سنوات مع العراق، والسعي الإيراني مؤخرا إلى بناء مكانة إقليمية ودولية متميزة، فضلا عن وجود "الجمهورية الإسلامية" الإيرانية وسط محيط غير مستقر (العراق، أفغانستان) أو غير موثوق به (باكستان، روسيا) أو متحالف كليا مع الولايات المتحدة (أذربيجان، تركيا، أفغانستان)، عدا عن صعود السيطرة الأميركية الذي صاحبه تصنيف إيران في دول "محور الشر".
ويشرح المؤلف تطورات البرنامج النووي الإيراني، قائلا إنه يعود إلى فترة الخمسينيات من القرن العشرين، عندما كان الشاه رضا بهلوي يرى في امتلاك القوة النووية وسيلة لتحقيق الحضارة العظيمة التي كان يبغي إنجازها، وقطع المشروع النووي الإيراني شوطا كبيرا في عهد بهلوي بفضل العلاقات التي أقامها مع الولايات المتحدة، ودوره كحارس للمنطقة أمام امتداد النفوذ السوفييتي، واعتمادا على الثروة البترولية الإيرانية كممول لهذا المشروع.
وإن توقف البرنامج النووي الإيراني بعد سقوط الشاه ومجيء نظام الثورة الإسلامية، فإنه سرعان ما قامت حكومة الخميني بإعادة تنشيطه من خلال اعتمادات مالية جديدة لصالح مركز آمير أباد للأبحاث النووية، ثم تم وضع تصور جديد لأهداف المشروع النووي الإيراني وبرنامج زمني لتطويره وكيفية تنفيذه، وكذلك البحث عن شركاء جدد لتزويده بتكنولوجيا متقدمة. وفي عام 1995 تم توقيع اتفاق بقيمة 850 مليون دولار مع الحكومة الروسية للوصول بمفاعل بوشهر إلى مستوى إنتاج 1000 ميجاوات من أصل 6000 ميجاوات تطمح إلى تحقيقها الخطة الإيرانية لإنتاج الطاقة النووية. لكن ذلك الاتفاق وجد معارضة شديدة من جانب الولايات المتحدة التي حاولت إثناء روسيا عن تنفيذه. بيد أن الأخيرة أعلنت في شهر يوليو 2000 عن استعدادها لبناء مفاعلات نووية إضافية في إيران، ثم ما أن وصل مفاعل بوشهر في بداية عام 2003 إلى تحقيق 75% من عمله المستهدف، حتى صعدت الولايات المتحدة من ضغوطها على إيران وروسيا لوقف تطوير المفاعل، كما مارس الاتحاد الأوروبي ضغوطا على إيران، وفي الوقت نفسه لعب دور الوسيط مع الإدارة الأميركية في الملف النووي الإيراني.
ويتضح أن المعارضة الأميركية للبرنامج النووي الإيراني تعود إلى منتصف التسعينيات عندما حذر وارن كريستوفر وكيل وزارة الخارجية الأميركية من امتلاك إيران للأسلحة النووية، وجددت ذلك التحذير وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت في عام 1997 فدعت روسيا وأوروبا إلى وقف إمداد إيران بتقنية الأسلحة النووية.
ويقول المؤلف إن الإدارة الأميركية لأزمة البرنامج النووي الإيراني اعتمدت على عدد من السياسات والإجراءات؛ منها تصريحات المسؤولين الأميركيين المنتقدة بقوة امتلاك إيران للسلاح النووي وإنتاجها البلوتونيوم واليورانيوم المخصب، واتهامها بدعم الإرهاب وإيواء عناصر "القاعدة"، ودعم المظاهرات الطلابية في طهران، وتوجيه عدة محطات إذاعية أميركية إلى الإيرانيين باللغة الفارسية، والعمل على زعزعة الوضع الداخلي الإيراني، واللعب بورقة "مجاهدي خلق"، إضافة إلى تكثيف الضغوط الدبلوماسية والسياسية على إيران. وأخيرا تفعيل دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي نشرت تقريرا لها في يونيو 2003 اعتبر أن إيران "أخلت بالتزاماتها" إزاء معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وفي اجتماعات مجلس أمناء الوكالة في سبتمبر 2003 وزعت الولايات المتحدة مسودة قرار يطالب بطرح المسألة على مجلس الأمن، لكن الاجتماع توصل إلى قرار يمهل طهران إلى نهاية أكتوبر 2003 لتنفيذ التزاماتها في مجال عدم الانتشار النووي. وجاء في التقرير الذي رفعته الوكالة إلى مجلس حكامها في 10/11/2003 أن إيران كان لديها برنامج لتخصيب اليورانيوم باستخدام تقنية الطرد المركزي على مدى 18 عاما، فبادرت الولايات المتحدة إلى التعقيب قائلة إن التقرير يؤكد مجددا اعتقادها حول وجود برنامج حقيقي إيراني للأسلحة النووية.
أما على الجانب الإيراني فيقول المؤلف إنه أمام كثافة الضغوط الأميركية ضد ما يعتقد أنه برنامج نووي تنفذه إيران، فقد تعددت السياسات التي تبنتها هذه الأخيرة لضمان قدرتها على التصدي للمخططات الأميركية، وذلك خلال مرحلتين أولاهما من 2000 إلى تاريخ قرار المهلة (12 ديسمبر 2003): دعم الوحدة الوطنية وتقوية