في أطول دراسة من نوعها، يحاول الباحثون فهم الطريقة التي ستتكيف بها النباتات في غضون خمسين عاماً، أي عندما يصبح الهواء أشد كثافة بسبب النواتج الضارة التي يطلقها أسلوب حياتنا.
وقضى الباحثون لدى "مركز سميثونيان للبحوث البيئية" SERC مدة 17 عاماً في رصد كيفية تأثر النباتات بارتفاع مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون، وهو أحد نواتج "الدفيئة" الذي ينبعث من السيارات. ويقول "بيرت دريك"، وهو عالم متخصص في باثولوجيا النبات (علم التشريح المرضي) في مركز سميثونيان: إننا نجري قياسات لأكبر عدد ممكن من تأثيرات غاز ثاني أوكسيد الكربون على النظام البيئي.
وقد دأب "دريك" على رصد تأثيرات غاز ثاني أوكسيد الكربون على النباتات منذ مطلع عقد الثمانينيات، وبات يُعتبر من الرواد في هذا الميدان؛ ويقول "بروس هانغيت" أستاذ الإيكولوجيا البيئية (دراسة علاقات الأحياء بالبيئة) في جامعة "نورث كارولينا"، إن "دريك" كان "في الواقع واحداً من العلماء الرواد الذين سبقوا غيرهم إلى تحديد أهمية ارتفاع مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون".
ويركّز العمل الذي يقوم به "دريك"، وهو العمل الذي يتلقى التمويل عموماً من وزارة الطاقة الأميركية، على نوعين من النباتات، وهما Spartina grass أو عشبة سبارتينا (الصينية السامة)، ونبات البَردي (المعروف أيضاً بالسُّعادى). ويربّي الباحثون هذين النباتين في مستنقع بالقرب من نهر "رود" في منطقة "إيدج ووتر" بولاية ميريلاند الأميركية، وذلك في 30 حجرة مصنوعة من مادة البوليستر. ويجري ضخ غاز ثاني أوكسيد الكربون في الحجرات لمضاعفة حجم الغاز الذي تتعرض له النباتات.
وتتولى أجهزة الرصد والمراقبة تسجيل مجموعة من البيانات حول دورة حياة كل واحد من النباتات، بما في ذلك كمية غاز النتروجين (الآزوت) وغاز الميثان المنطلق، إضافة إلى معدلات وسرعات نمو الجذور والأوراق. ويرصد العلماء تقدّم نمو النباتات من موقعهم في حجرة مبنية بالقرب من المستنقع. ويقول "دريك" إنها "ليست مسألة معنية بما إذا كان النبات سيستجيب لغاز ثاني أوكسيد الكربون أم لا. فنحن نعلم أنه يستجيب. بل إن المسألة معنية بكيفية استجابة النباتات لهذه العوامل الأخرى، ومنها مثلاً معدل هطول الأمطار، وعنصر توفّر النيتروجين ودرجة الملوحة".
ولذلك قام "دريك" والعلماء الآخرون بمحاولة تحديد النباتات التي ستنمو بقوة وتلك التي ستختفي من الوجود إذا تواصلت شهية العالم إلى الوقود الأحفوري والنفط على نحو لا يمكن كبحه.
وعلى رغم الجدل الدائر بين الساسة حول هذه الظاهرة وتأثيراتها، يتفق العلماء على أن تزايد غازات الدفيئة يرفع درجات الحرارة على كوكب الأرض. وهناك غاز بحد ذاته، وهو غاز ثاني أوكسيد الكربون، ترتفع مستوياته على نحو ثابت منذ أيام الثورة الصناعية التي بدأت في القرن التاسع عشر. وقد وصلت مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون الآن إلى 400 جزء في المليون، وهو ما يشكل على حد قول العلماء زيادة هائلة في السنوات الـ 100 الماضية.
وستكون الزيادات المستقبلية في مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون مرهونة بمسألة تطوير مصادر للطاقة البديلة، وفي سياق ذلك مثلاً تطوير المركبات العاملة بطاقة الهيدروجين. غير أن العلماء يتوقعون ارتفاع مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى الضعف تقريباً بحلول عام 2100، ولذلك ما زال من الصعب الآن فهم تأثيرات تلك الزيادة.
وعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات التي أُجريت في سنوات العقد الماضي أن ارتفاع مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون يؤدي إلى توليد زيادة في كمية النباتات، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى امتصاص مقدار كبير من غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي تضخه إلى الجو سيارات وقطاعات الصناعة في كل العالم.
غير أن هناك دراسة نشرتها في الشهر الماضي دورية "ساينس جورنال" وتستند إلى عمل ميداني في منشأة تابعة لمركز "سميثونيان" في ولاية فلوريدا؛ وأظهرت الدراسة أن ارتفاع مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون أدّت بالفعل إلى شل معدلات نمو بعض النباتات التي تجري تربيتها في أنواع التربة الرملية في المنطقة الساحلية في ولاية فلوريدا. وفي تلك الدراسة، ضخ الباحثون غاز ثاني أوكسيد الكربون على نباتات البازلاء الحليبية (واسمها العلمي: Galactia elliottii) في 8 حجرات معزولة مبنية على مساحة ضمن الموقع التابع لمركز "سميثونيان" في مركز كينيدي للفضاء.
وعلى مدى سبع سنوات، أعاق ارتفاع مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون قدرة هذا النبات البقولي على النمو وعلى معالجة غاز النتروجين، وهي عملية أساسية في تطور النبات. ومن المحتمل أن يكون نبات البازلاء الحليبية قد تأثر بسبب تقلص نسبة إمداد النبات بعنصر "موليبيندوم" (وهو عنصر معدني يشبه الكروم ويُستخدم في عملية تقسية الفولاذ) إلى النصف بسبب مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون المرتفعة، حيث يشكل الموليبيندوم عنصراً غذائياً أساسياً في النبات، على حد قول صاحب الدراسة "روس هانغيت".
ومن الممكن أن تكون لارتفاع مستوي