إن الكثير من اللحظات السيئة التي واجهت قوات الاحتلال في العراق بدءا من الانتهاكات التي حدثت في سجن أبوغريب، وانتهاء بالتمثيل بجثث المدنيين الأميركيين في الفلوجة قد ضمت مقاولين عسكريين خصوصيين (تم تصديرهم) إلى هناك بواسطة البنتاجون. فبدون إي أشراف من الكونجرس أو الشعب الأميركي، قام البنتاجون بدفع مليارات الدولارات إلى شركات تجاوز عدد موظفيها في العراق الآن 20 ألف موظف، يقومون بتنفيذ طائفة واسعة من الوظائف العسكرية، التي تتراوح ما بين تقديم الخدمات اللوجستية، إلى تدريب القوات، إلى مرافقة القوافل، إلى التحقيق مع الأفراد. ومع ذلك، وعلى رغم الاتهامات الواسعة النطاق عن المبالغة في تقدير قيمة فواتير التكلفة، فإن ما يبدو ظاهرا أمامنا هو أن القيادة المدنية في البنتاجون لم تتعلم شيئا من التجربة برمتها.
والدليل على ذلك أن البنتاجون قد قام الشهر الماضي بترسية عقد لتنسيق الدعم الأمني بقيمة 293 مليون دولار على شركة بريطانية هي "إيجيس للخدمات الدفاعية". وهذا العقد الضخم يتكون من شقين: الأول هو أن تعمل شركة "إيجيس" كمركز تنسيق وإدارة لخمسين شركة أمنية خاصة تعمل في العراق، والشق الثاني أن تقوم بتوفير 50 فريقا من فرق الحماية اللصيقة التي يتكون كل فريق منها من ثمانية من المدنيين المسلحين لحماية أطقم العاملين التابعين لـ "مكتب إدارة مشروعات الولايات المتحدة".
والمكتب يمثل نموذجا لما لا يجب القيام به، ما المقصود بذلك؟. بداية، نقول إن من بين المشكلات الجوهرية لتجربة تصدير العمالة العسكرية، ذلك الغياب الواضح للتنسيق، والإشراف والإدارة من جانب الحكومة. ولذلك فإن القيام بتصدير هذه المشكلة تحديدا للشركات الخاصة الأخرى يعتبر شيئا لا منطقيا على الإطلاق. كما أن القيام بذلك يؤدي في الحقيقة إلى دفع تلك الشركات بعيدا عن نطاق وحدود الإشراف العام.
ومع اقتراب موعد تسليم السلطة إلى العراقيين الذي سيتم قريبا، فإننا نتساءل لماذا يقوم البنتاجون باتخاذ هذا القرار، بدلا من أن يقوم العراقيون باتخاذه بأنفسهم. وفي الحقيقة، أن العقد الأخير يكرر مرة أخرى تلك الممارسة الخاصة بـ"المبالغة في قيمة التكلفة" التي كانت سببا في كثير من المشكلات في الماضي. ففي الواقع أن مثل هذه العقود تكافئ الشركات من خلال منحها أرباحاً أكبر كلما قامت بدفع أموال أكثر، وبالتالي فإنها أي العقود، تكون عرضة لإساءة الاستخدام وعدم الكفاءة. وما يحدث في العراق حاليا في موضوع ترسية العقود ليس له مثيل في الممارسات الموجودة في عالم المال والأعمال، كما أنه يتعارض تعارضا تاما مع كل ما كتبه آدم سميث عن الأسواق الحرة.
في التحليل النهائي، نقول إن الآليات المعتادة التي تؤدي إلى زيادة الفاعلية في التعاقد مثل المفاضلة بين الشركات ومكافأتها، أو عقابها بناء على خبرتها وسمعتها- قد تعطلت مرة أخرى على ما يبدو في العراق. فالمرء حين يسمع عن ترسية عقد كبير، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه أن هذا العقد يجب أن يذهب إلى شركة لديها خبرة طويلة في العمل، أو لديها خبرة في القيام بالأدوار أو الأنشطة الرئيسية الأخرى المطلوبة الآن في العراق. ولكنه يفاجأ بدلا من ذلك بأن عمر شركة "إيجيس" في عالم الأعمال لا يزيد على العام إلا قليلا، وأن خبرتها الأساسية تتركز في مجال مكافحة القرصنة وليس في مجال التنسيق الأمني، و أنها لم تحصل أبدا على عقد كبير في العراق.
والمدير التنفيذي لشركة "إيجيس"، المدعو "تيم سبايسر"، الضابط السابق بالجيش البريطاني يحظى بسمعة سيئة في بريطانيا بسبب الدور الذي لعبه في القضية المعروفة بـ"قضية ساندلاين" عام 1998 والتي قامت فيها شركته بشحن 30 طناً من الأسلحة إلى سيراليون، في خرق واضح للحظر المفروض من الأمم المتحدة على تصدير الأسلحة لذلك البلد. أما العميل الذي كان يتعامل معه، والذي وصف من قبل "روبين كوك" وزير الخارجية البريطاني بأنه رجل أعمال هندي فقد اتضح أنه كان يستخدم جوازا مزورا خاصا بصربي ميت، وأنه كان ينتظر الإبعاد من كندا بسبب الاتهامات الموجهة بالتورط في قضية اختلاس أموال من بنك في تايلاند. علاوة على ذلك، تبين أن السيد "سبايسر" كان أحد الأشخاص الرئيسيين الذين شاركوا في التمرد العسكري الذي حدث في مدينة "بابوا" بغينيا الجديدة، وذلك قبل أن يقوم الجيش المحلي الذي شعر بالغضب بسبب حصول "سبايسر" على عقد بقيمة 36 مليون دولار لاستئصال قوات التمرد، بقلب الحكومة ووضع "سبايسر" في السجن.
من الصعب على المرء أن يصدق أن الأشخاص الذين يقومون بترسية العقود في العراق ليست لديهم أية معرفة بالتاريخ. ولكن الحال قد يكون كذلك بالفعل خصوصا إذا ما وضعنا في اعتبارنا تلك الطريقة المنحرفة التي يتم بها توزيع المسؤولية عن العقود العسكرية الخاصة على جهات عديدة ومتناثرة في الحكومة، وفي بعض الأحيان إلى جهات غريبة قد لا تخطر على بال أحد. علينا أن نتذكر في هذا الصدد أن المقاولين الخصوصيين الذي تورطوا في انتهاكات سجن أبوغريب مستأجرو