كثيرة هي الدورات التدريبية التي تصب في دائرة تطوير الأداء الإداري بفنونه المتنوعة والمتشعبة، وكثيراً ما تترى عناوين الفنون المبهجة في إدارة مختلفة.
لكن هل طرح أحد فن إدارة الاختلاف؟!
فشرنقة الواقع الخانقة والإعلام ذو الصوت الجهوري الأحادي الاتجاه لم يفهم بعد مضي كل هذه العقود، معنى الاختلاف وأهمية في أن يتبنى فكراً متحرراً من عقلية السلطة ليذهب بعيداً عنها وعن مخاوفها من السقوط في فخ الشفافية وحرية الثرثرة حول كل شيء وأي شيء.
فالإعلام الذي كان يتزعم مسيرة الاختلاف منذ بدايات الثورات المطالبة بالتحرر من سطوة الغازي الجاثمة على كواهل أهل البلد لم يذهب بعد إلى منابع النور المطالبة باختلاف رائق عميق ومتأصل في تفاصيل الحياة اليومية للمواطن العربي.
بل تبنى مثلث الاحتكار السلطوي الذي يهدف إلى تأطير كل ما له علاقة بالفكر بإطار مطابق لمطالب السلطة ومناهض لحق الإنسان البسيط في الاختلاف مع كل ما قد يضر بمصالح وطنه ومواطنيه.
وربما هرب نحو مفاسد الإثارة والتسطيح والمسابقات المسيلة للعاب البسطاء في الثراء السريع الذي تأتي به مثل هذه المسابقات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وأبعد من ذلك هذه البرامج المكررة التي لا تتمحور إلا عن الفن وتفاهة معتنقيه، مبتعداً عن الفن بجماليته وإبعاده الإنسانية الصرفة ودوره المفتقد في الإعلام العربي، لدرجة أن كثيراً من المتنورين ذهبوا نحو فتاوى المتشددين في تحريم الفن بأشكاله وطالبوا بها، لأن التحريم صار أكثر رحمة من هذا السيل العرمرم من ثقافة هشة موغلة في سفورها وإعلانها الكفر بكل ما هو صادق وعفيف ويجترح الشفافية الحقيقية لدور الإعلام المذهل والذاهل كما هو مفترض.
وربما حاولت بعض الفضائيات طرح فن الاختلاف كنوع من المعارك التي يتبارى فيها المختلفون أيهم أقذع لساناً وأكثر مفردات في الشتائم والسباب، وقد تكون حاولت أن تبعث روح الاختلاف ونجحت، لكنها رسبت في فن إدارة هذا الاختلاف، وكان هذا هو المحور الأهم والذي يعني بالضرورة أن الفكر القابل للاختلاف والمتباعد عن التصادم غير متوفر إلى الآن رغم هذه الثورة المتزايدة في تكنولوجيا الوسائط المتعددة، وفي نسق إعلامي متقدم تقنياً، متخلف فكرياً.
هل لأن الإعلام ما زال واقعاً في براثن السلطة السياسية، فكيف له الخلاص؟..
وما هو دور تلك الوسائل الإعلامية المتحررة من سطوة السياسة كما تدعي؟
هناك تفاصيل مفقودة من شأنها أن تهب لنجدة الاختلاف، وتطرح مزيداً من الأسئلة التي تحتوي على نهضة فكرية خاصة تتبنى عمقاً ديمقراطياً حقيقياً، يكون بداية الجدية في واقع فعلي من الحرية ومتحرراً من مجرد كونه لسان حال الواقع الأصم والأبكم والأعمى، هذا الفن نحتاجه حتى في بيوتنا؟
هل بادرتنا دورات التدريب ومناهج الدراسة بتدريسه وتبنيه والاعتراف بخطورة غيابه؟!