ألقت الولايات المتحدة حجر مبادرة الشرق الأوسط الكبير في المياه الراكدة للوطن العربي الكبير في الشتاء الماضي لتحرك هذه المياه التي ظلت دون حراك لسنوات طويلة. وبعد سقوط ذلك الحجر بدأت الحوارات والنقاشات والندوات والاجتماعات حول إصلاح الدول العربية والتأييدات والاعتراضات لها وعليها. وجاءت قمة دول الثماني في الأسبوع الماضي لتحرك تلك المياه من جديد.
الحقيقة أن الحديث عن التغيير ليس جديدا على مستوى الشارع العربي والمثقفين العرب وإن كان جديدا بالنسبة إلى بعض الأنظمة. وفي دول الخليج كانت الرغبة في التغيير كامنة في ضمير كل خليجي فلم يكن الأمر بالشيء المحدث على هذه المنطقة وإن كانت عقود الرفاه الثلاثة الماضية قد حجبت الرؤى عن ذلك بشكل كبير.
لقد كان لحركات الإصلاح مد وجزر على شواطئ الخليج العربي منذ مئات السنين ولن أعود بالتاريخ كثيرا إلى الوراء واكتفي بالتركيز على العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية لأنها الأهم، ففيها حدثت التغيرات الكبيرة ومن خلالها تكونت الصورة السائدة حاليا وهي أن منطقة الخليج "تابعة بالفطرة" ولا يمكن أن يكون الشعب الخليجي مهتما بالتغيير! والحقيقة أن هذه المنطقة لم تكن بعيدة عن التغيير وعن الأحداث العالمية أو خارج حسابات الدول الكبرى أبدا، بل كانت في كثير من الأحيان هي محور الأحداث وأهم الأطراف فيها.
أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة جاءت لتقلب الطاولة الخليجية وتخلط الأوراق على أرض الترف والاسترخاء الخليجي. فبعد أن كان كل اهتمام العالم بالمنطقة يتركز في أنها مجرد بئر نفط رخيص لا ينضب، أصبحت اليوم هم العالم ومركز اهتمام الولايات المتحدة التي تريد تغييرها بأي شكل من الأشكال.
سنوات طويلة كان المواطنون يطالبون فيها بالإصلاح والتغيير في كل دول الخليج بلا استثناء – مع اختلاف مستوى التغير من بلد إلى آخر- لكن دون أن يسمعهم أحد بسبب تعارض مطالبة البعض مع المصالح الأجنبية وكذلك بسبب عدم استعداد السلطات المحلية لذلك. وما تأتي به أميركا اليوم من مشروع إصلاح ليس بالغريب عن المنطقة. ويبدو أن كل ما تريده الولايات المتحدة من دفعها لهذا المشروع بقوة هو أن تنسب التغيير الذي ستشهده المنطقة لنفسها فقط. كما أنها تريد من خلال ذلك التغيير الذي تسميه إصلاحا أن تفرض ما يخدم مصالحها في المنطقة.
هناك حقيقة مهمة لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن الوضع السياسي في الخليج أو عن أي تغيير مستقبلي وهي أنه بعد أن سيطرت بريطانيا على المنطقة في أوائل القرن التاسع عشر قامت بتحويل الأنظمة القبلية إلى وراثية. ونتيجة لندرة الموارد الطبيعية وعدم وجود مصادر للدخل واجه الحكام تحديات كبيرة أدت إلى مشكلات اقتصادية بلغت إحدى ذرواتها في الثلاثينيات من القرن الماضي. بعد انهيار مهنة الغوص والبحث عن اللؤلؤ ظهرت حركات تغيير في كل من دبي والكويت والبحرين ونشأت مجالس أو حركات إصلاحية حاولت استيراد حلول اقتصادية جديدة بتحديث آليات الحكم التقليدية عبر توسيع دائرة المشاركة السياسية، وهذه التجربة لا يمكن تجاهلها وإن مرت عليها عقود.
كما شهد النصف الثاني من القرن العشرين حركات تغييريه عديدة – واإن كنا نختلف مع بعضها إلا أننا لا يمكن أن ننكرها- وتلك الحركات تؤكد أن الرغبة في التغيير كانت أحد هموم هذه المنطقة. وعلى سبيل المثال كانت هناك حرب أهلية في منطقة الجبل الأخضر العُمانية في نهاية الخمسينيات. وفي الستينيات والسبعينيات قامت الثورة المسلحة في إقليم ظفار، والمعارضة البحرينية العلمانية والدينية، وشهد عام 1979 حوادث في الحرم وفي المنطقة الشرقية بالسعودية، وأخيرا الأنشطة الإرهابية لتنظيم القاعدة –التي نرفضها جملة وتفصيلا- داخل الخليج وخارجه والخلايا التي فرختها في كثير من دول العالم، والتي خلطت كل الأوراق بل وأتتلفت الكثير منها!. ولم يكن يتوقع أحد أن يخرج من بين شعب الخليج المرفه من يؤمن بقضية ويفجر نفسه وينهي حياته من أجلها! هذه حركات شهدتها المنطقة وإن كانت لنا ملاحظات عليها إلا أنه من الصعب تجاهلها عند الحديث عن التغيير.
اليوم أصبحت الحاجة إلى التغيير الهادئ والإصلاح المتزن مُلحة سواء دعت الولايات المتحدة إلى ذلك أو لم تدعُ إليه فقد شهدت المنطقة تغيرات كثيرة وأصبحت دول الخليج تعاني من مشكلات عديدة بعضها مركب والآخر معقد. ولم تكن تلك المشكلات منذ سنوات قليلة مضت معروفة. أبسطها على سبيل المثال لا الحصر مشكلة البطالة. ففي بلد لا تتجاوز نسبة سكانه الأصليين من مجمل عدد السكان 25% نجد أن الشباب فيه يعانون من البطالة! هذا الأمر وغيره يدفع الكثير من الخليجيين للتفكير بالتغيير والإصلاح لتتحول دول الخليج إلى دول المؤسسات. واعتماد الديمقراطية التي تناسب كل بلد هي الخطوة الرئيسية للتغير ولإطلاق الطاقات الخليجية والسماح لها بالانطلاق العالمي، كل ذلك في ظل مجتمع مدني.
إن ما يميز "أغلب" دول الخليج أن أنظمتها وإن لم تكن ديمقراطية فإنها ليست ديكتاتورية وقد حاول