كانت وظيفة تقييم وتدريب وتجنيد الجواسيس دائما من الوظائف الأساسية التي يضطلع بها ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي. آي. إيه.
أما ما يحدث الآن فهو أن ضباط الـ"سي.آي.إيه" أنفسهم قد أصبحوا موضعا للتقييم والتدريب والتجنيد الذي يتم في بعض الأحيان بناءً على المعايير الموضوعة من قبل الوكالة. والسبب الذي يؤدي إلى حدوث نزيف خطير في أعداد عملائنا، هو أن الشركات الخاصة قد أصبحت تسعى بكافة الوسائل الممكنة إلى الاستعانة بعملائنا الذي حصلوا على أرقى أنواع التدريب لشغل وظائف حكومية بنظام العقود الخاصة.
وباستقالة جورج تينيت، واقتراب موعد عقد الجلسة النهائية للجنة الاستخبارات المكلفة بالتحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر والذي سيتم خلال هذا الأسبوع، سيصبح المسرح مهيأ لإجراء أول عملية إعادة هيكلة رئيسية لأجهزة الاستخبارات خلال عقود.
وعلى رغم أنه كانت هناك مناقشات متعددة حول نقل بعض الأجهزة، وتعيين مدير عام مزود بصلاحيات كبيرة للإشراف على كافة أجهزة الاستخبارات، إلا أن عملية خصخصة عملائنا قد تم التغاضي عنها إلى حد كبير.
على رغم توافر أموال كافية لأجهزة الاستخبارات بعد الزيادات الكبيرة التي حصلت عليها في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، إلا أنها لا زالت تعاني إلى حد كبير من التأخير في عمليات تجنيد واستقطاب وتدريب جيل جديد من الجواسيس والمحللين، وذلك بسبب حالة عدم اليقين العام بشأن المستقبل. ولذلك فإن ما تقوم به هذه الأجهزة في الوقت الحالي من أجل زيادة عدد موظفيها هو اللجوء إلى المجمع الاستخباراتي- الصناعي.
وشركات هذا المجمع تتراوح ما بين شركات كبيرة مثل "نورثروب جرومان" وشركة "بوز آلان هاميلتون"، إلى شركات صغيرة جدا تتكون بشكل كامل من ضباط سابقين في السي آي.إيه مثل شركة أبراكس "كوربوريشن ماكلين" بفرجينيا، التي كانت إحدى خبيراتها الحاليات تدير من قبل مديرية الاستخبارات لمجموعة جنوب آسيا، وتم التعاقد معها حاليا للعمل كمستشارة لمجموعة السي آي إيه المكلفة بمراجعة أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
والمقاولون الخصوصيون هم الذين يستولون الآن على الوظائف التي كانت محجوزة في السابق لموظفي الوكالة الحاصلين على تدريب عال، وهي وظائف تغطي كافة المهام الاستخباراتية المعروفة مثل العمليات السرية، والعمل في مركز الأزمات الذي يعمل على مدار الساعة، وتحليل المعلومات والبيانات وعمليات مكافحة الجاسوسية، ووظائف ضباط الارتباط بين العملاء في الميدان وبين المحللين العاملين في المركز الرئيسي في أميركا.
وعلى رغم أنه ليس هناك ما يمنع من قيام نوع من التعاون الوثيق بين أجهزة الاستخبارات وبين الشركات الخاصة، إلا أن هناك احتمالاً لحدوث مشكلات في هذا الصدد ما لم تقم جهة معينة بمراقبة مثل هذا التعاون عن كثب.
فكما اتضح من فضيحة سجن أبوغريب، فإن إشراك المقاولين الخصوصيين في العمليات الاستخباراتية الحساسة يمكن أن يؤدي إلى حدوث كوارث لم تكن في الحسبان.
ومن المشكلات الأخرى التي قد تترتب على ذلك التعاون، صعوبة مراقبة الأمور المالية، وزيادة الأعباء التي يتحملها دافعو الضرائب الأميركيون. ففي إطار سعيها الحثيث للوفاء بالعقود التي ارتبطت بها فإن الشركات الخاصة تبدي الاستعداد دائما لزيادة الرواتب الممنوحة للعملاء إلى الضعف تقريبا. وهكذا فإنه بعد إنفاق الملايين من الدولارات على تدريب رجال الاستخبارات السريين، يجد دافعو الضرائب الأميركيون أنفسهم مضطرين لتحمل أعباء مضاعفة من أجل خصخصة عمليات الاستخبارات.
والجدير بالذكر أن بعض هؤلاء الضباط قد حذرني من أن خبراتهم تضيع هباء بسبب تكليفهم بالقيام بمهام بسيطة، وبسبب العشوائية التي تتسم بها عملية الاندفاع نحو التوسع، والتي أدت فيما أدت إليه إلى أن نوعية المعلومات والاستخبارات التي يتم تقديمها من قبلهم قد أصبحت هي الأخرى موضع شك.
كما أبلغني ضابط استخبارات سابق أنه كان ضمن مجموعة من المقاولين الذين تم تكليفهم بتحليل رسائل إليكترونية مستخرجة من الأقراص الصلبة لأجهزة كمبيوتر تم الحصول عليها من قبل بعض العملاء في العراق، وأفغانستان ودول أخرى.. وأن معظم تلك الرسائل كانت باللغة العربية وأنهم لم يكونوا يعرفون العربية، ولم يكونوا يعرفون ما يقومون به، كما أن الإدارات المسؤولة عنهم لم تكن تعرف ما تقوم به هي الأخرى.
ونظرا إلى أن الولايات المتحدة ستجد نفسها مع مرور الوقت منغمسة أكثر في الحرب على الإرهاب والحرب في العراق، فإنها ستكون مضطرة إلى تجنيد المزيد من الجواسيس وبالتالي إلى إعادة النظر في الكثير من الأمور.
ولكن عندما نجد أن الكونجرس نفسه ليست لديه فكرة عن المقاولين والأشخاص الذين تقوم السي آي. إيه باستئجارهم، فكيف يمكن لأي أحد آخر بعد ذلك أن يضمن أن ما يقوم به هؤلاء الأشخاص، أو ما يتم دفعه لهم مقبول أو غير مقبول. لذلك أقول إنه عندما نقوم الآن بالتفكير في الكيفية التي سنقوم بها بإعادة تكوين خدماتنا الاستخباراتي