في كل مكان من الصحافة الأميركية، يقرأ المرء أن الرئيس جورج بوش يبدو شخصاً رائعاً مثل الراحل رونالد ريجان. فالمعلقون والسياسيون على حد سواء عقدوا المقارنات بين عقيدة ريجان والسياسة الخارجية "المفتولة العضلات" التي انتهجها الرئيس بوش. ومهما تكن درجة عدوانية وإقدام سياسة بوش الخارجية، فإن سياسة ريجان كانت على النقيض من ذلك عندما كان الأمر يتعلق بالاتحاد السوفييتي.
ففي 1985، أرسل ريجان رسالة خطية إلى ميخائيل غورباتشوف يؤكّد له فيها استعداده لـ"التعاون بأية طريقة معقولة لتسهيل انسحاب" السوفييت من أفغانستان؛ وأضاف ريجان قوله "لا أحد منا" يريد أن يرى أسلحة هجومية، ولا سيما أسلحة تدمير شامل، تُنشر في الفضاء. وسعى ريجان بحماس إلى العمل مع غورباتشوف لتخليص العالم من أسلحة كتلك ولمساعدة الاتحاد السوفييتي على تنفيذ التغيير السلمي في أوروبا الشرقية.
وكان هذا العرض أبعد ما يكون عن موقف المستشارين من تيار المحافظين الجدد، والذين يخدمون الآن في إدارة بوش. فمنذ 20 عاماً في البيت الأبيض في عهد ريجان، لم يرَ هؤلاء إمكانية لتغيير كهذا، وفي الواقع أن الكثير منهم اشترك في نظرية "الديكتاتورية الشمولية" باعتبارها غير قابلة للنقض والتغيير. وأُبلغ ريجان أيضاً بأن الاتحاد السوفييتي كان يستعد لشن هجوم استباقي على الولايات المتحدة. واتخذ موقفَ نشر الخوف الفريق (ب) الذي تشكّل كردّ على موقف سي آي إيه الأكثر انتهاجاً لمنهج التحليل المتعقل، والذي تألف من عدد من أعضاء إدارة بوش الحالية. كان رئيس الفريق هو ريتشاد بايبس المتخصص في التاريخ الروسي لدى جامعة هارفرد، والذي تعزز موقفه بعنوان لأحد مقالاته وهو "لماذا يظن الاتحاد السوفييتي أنه قادر على خوض وكسب حرب نووية؟".
ولم يكن المحافظون الجدد يعارضون فقط مساعي ريجان إلى تحقيق التقارب، بل أوردوا أيضاً الحجج ضد الانخراط في الدبلوماسية الشخصية مع الزعماء السوفييت. واعتقد مستشارون مثل ريتشارد بيرل وبول وولفوفيتز ودونالد رامسفيلد- الذين يديرون الآن سياستنا الخارجية- أن أميركا يجب أن تقوم بالتصعيد لكي تحرز "الهيمنة النووية" وأنه لا يمكننا التعامل إلا من منطلق "استراتيجية القوة". وآمن ريجان بضرورة وجود جيش قوي. لكنه لكي يؤكد للسوفييت من جديد أن أميركا ليست لديها نوايا عدوانية، عمد إلى تذكير ليونيد بريجينيف بما هو نقيض ذلك تماماً. فما بين 1945 و1949، كانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تمتلك القنبلة النووية، وعلى رغم ذلك، أكّد ريجان لبريجنيف على أنه لم يتم إطلاق أي تهديد باستخدام القنبلة النووية لكسب تنازلات من الاتحاد السوفييتي.
وكثيراً ما كان نظام الدفاع الصاروخي المندرج ضمن برنامج حرب النجوم، والذي كان ريجان يدافع عنه، يُعتبر المسمار الأخير في نعش الشيوعية، وكنظام عسكري ليس في مقدور السوفييت امتلاكه بل الخوف منه فحسب. وكان الافتراض الأول صحيحاً، أمّا الثاني فكان محاطاً بالشكوك. مارغريت تاتشر، التي حثت ريجان على اعتبار غورباتشوف كـ"رجل يمكننا العمل معه"، قدمت إليه أيضاً نصيحة أكثر فظاظة بخصوص برنامج حرب النجوم حيث قالت "أنا كيميائية؛ أعلم أنه لن ينجح". وكشأن السيدة تاتشر، اعتبر العلماء السوفييت برنامج حرب النجوم وهماً وكادوا ألا يتأثروا بعرض ريجان مشاركتهم في البرنامج فور إتمامه. (وهو ما لم يتحقق إلى الآن، أي بعد مضي عقدين تقريباً).
ينبغي على أولئك المستشارين في إدارة بوش، والذين يعتبرون أنفسهم "ريجانيين"، أن يتذكروا أن ريجان كان قد توقف عن الأخذ بنصيحتهم. وبحسب مذكرات جورج شولتز في كتابه "اضطراب وانتصار"، كان ريجان يشعر بعدم الارتياح عندما دخل المستشارون الصقور إلى المكتب البيضاوي. وفي مذكراته التي أوردها في كتابه "حياة أميركية"، سخر ريجان "من اللغة الاصطلاحية المخيفة" الخاصة بالرؤوس الحربية، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ومعدلات القتل و"الحمولات الإجمالية" للصواريخ طويلة المدى. ورأى الرئيس ريجان آنذاك أن الأرقام المعنية بالصواريخ تبدو مثل "أعداد الإصابات المحرزة في البيسبول" فصرف النظر عن مستشاريه المزعجين. هكذا رفض ريجان المحافظين الجدد؛ أمّا الرئيس جورج بوش فيؤيدهم مهما تكن النتائج.
والفرق بين ريجان ومسؤولي إدارة بوش ذوي العقلية الحربية هو أنه كان يؤمن بالمفاوضات في حين آمنوا هم بالتصعيد. فهؤلاء أرادوا الفوز في الحرب الباردة في حين سعى ريجان إلى إنهائها. ولفعل ذلك، كان من الضروري ألاّ يتم نشر الخوف في الاتحاد السوفييتي، بل كسب ثقة زعمائه. وما إن صار في مقدور الاتحاد السوفييتي الاعتماد على ريجان حتى صار غورباتشوف حراً في البدء بإصلاحاته الداخلية، وفي إقناع جيشه بالانسجام مع حالات تقليص الميزانية والتأكيد لأبناء شعبه أنه ليس من الضروري أن يشعروا بالقلق حيال شبح "التطويق الرأسمالي" القديم؛ وليس هذا فحسب، بل الأهم أن غورباتشوف كان مستعداً أيضاً ليعلن للبلدان التابعة للاتحاد السوفي