منذ 6 سنوات، شعر خبراء الشرق الأوسط بقلق كبير إزاء العواقب الاستراتيجية المخيفة لأسعار النفط الآخذة في الهبوط. وساهم في تلك الظاهرة الركود الاقتصادي في آسيا، والدفء النسبي في شتاء نصف الكرة الشمالي، وزيادة إنتاج النفط العراقي. وكان انخفاض أسعار النفط يعني هبوطاً شديداً في عائدات الدول المنتجة للنفط بما فيها إيران ودول الخليج العربي. وعلى رغم أن احتياطيات النفط في بعض دول الخليج كالإمارات العربية المتحدة والكويت كانت قوية إلى حد يكفي لتحمل هبوط الأسعار، كان تأثير الهبوط على السعودية وإيران أكثر مباشرة وتسبباً في زعزعة الاستقرار. ولذلك خرجت توقعات كثيرة حول كيفية تسبّب أزمة اقتصادية في منطقة الخليج- ناجمة عن هبوط الأسعار- بزيادة التوقعات بحدوث العنف وانعدام الاستقرار.
واليوم باتت أسعار النفط المرتفعة هي التي تثير التوتر الشديد لدى الساسة في الدول المستوردة للنفط. فمع ارتفاع تكلفة غالون البنزين إلى أكثر من دولارين في الولايات المتحدة، صارت المسألة بنداً سياسياً في السباق الانتخابي الرئاسي مع محاولة كل من جورج بوش وجون كيري البرهنة على ضرورة تقليص الولايات المتحدة لدرجة اعتمادها على نفط الشرق الأوسط. وفي موقعه على الإنترنت، يوجز كيري رؤية معنية بجعل أميركا "مستقلة عن نفط الشرق الأوسط في غضون 10 سنوات باستحداث مصادر وقود بديلة" بحيث "لن نضطر أبداً إلى إرسال أبنائنا وبناتنا إلى الحرب في سبيل نفط الشرق الأوسط". وفي خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه في يناير 2003، يروّج جورج بوش بحماس للسيارات العاملة بالهيدروجين ويعبّر عن أمله في "إنفاق 1.7 مليار دولار في السنوات الخمس القادمة على تطوير الوقود الهيدروجيني".
وإذا وضعنا السياسة جانباً، نجد الواقع يقول إن ارتفاع أسعار النفط شيء مفيد للولايات المتحدة وأنه يطلق إشارة تحذير توجب التطرق إلى اعتماد البلاد المتزايد على الواردات الأجنبية والوقود الأحفوري. وفي غياب الركود الاقتصادي العالمي تكون حقبة النفط الرخيص قد ولّت. وأسباب ذلك بسيطة: الطلب على النفط يتزايد بسرعة أعلى من سرعة تزايد دخول الإمدادات الجديدة إلى السوق. وعلى رغم أن استمرار الأزمة في العراق والإرهاب في السعودية أدى إلى قلق الأسواق حيال أمن إمدادات النفط الشرق أوسطي، فإن ارتفاع الطلب على النفط في آسيا هو الذي يشكل جزءاً كبيراً من المعادلة. فاقتصاد اليابان يتعافى، وفي الهند والصين اقتصادان مندفعان بقوة، والطبقة الوسطى في آسيا واقعة في غرام السيارات. وسيواصل الطلب على السيارات في الهند والصين نموه بالتوازي مع زيادة الحاجة إلى البترول، هذا إذا لم تُسوّق أنواع الوقود البديلة لوسائل النقل وبأسعار مقبولة. وكانت هذه الاتجاهات كلها متوقعة، لكن الوقائع أصبحت الآن فقط واضحة للساسة والمحللين الذين ما كانوا ليشعروا بالقلق حيال سياسة الطاقة لسبب آخر.
ومن بين تأثيرات ارتفاع أسعار النفط هناك تزايد الاهتمام بمردود الوقود وبالبحوث المعنية باستحداث بدائل للوقود الأحفوري. وعلى رغم عدم توقع أحد لاختراقات كبرى في تكنولوجيات الطاقة الجديدة في المستقبل القريب، فإن البحث عن البدائل حظي باهتمام جديد وبات يتطلب التحرك الفوري. وهناك أدلة أولية تؤكد على أن ارتفاع أسعار النفط بدأ يؤثر في سلوك المستهلك في الولايات المتحدة التي تستهلك 25% من موارد العالم البترولية، حيث هبطت مبيعات السيارات الرياضية ذات الحجم الفائق فكان ذلك في صالح السيارات الرياضية متوسطة الحجم والسيارات الأصغر؛ وهناك أيضاً قوائم انتظار طويلة بخصوص السيارات الهجينة، التي تستخدم البنزين والمحركات الكهربائية وتقلص استهلاك الوقود على نحو دراماتيكي.
وهناك عامل آخر يعزز الاهتمام بالطاقة البديلة، وهو البيئة. فإدارة بوش تعرضت للانتقادات الشديدة من الداخل والخارج بسبب موقفها المتغطرس حيال الإحماء العالمي ومساهمة نواتج احتراق الوقود الأحفوري في هذه الظاهرة. وقد توجه الاهتمام العام إلى موجات الحر الشديد في أوروبا الصيف الماضي، والجفاف والأعاصير وحرائق الغابات في الولايات المتحدة. وروّج خصوم سياسات بوش البيئية وتلك المعنية بالطاقة للفيلم الهوليودي الجديد "يوم بعد غد" الذي يدور حول أحداث من غير المرجح وقوعها لكنه يقدم تصويراً مثيراً لتأثيرات الإحماء العالمي على أميركا الشمالية حيث يتسبب في عصر جليدي مصغر. وعلى رغم أن أحداث الفيلم مضغوطة إلى فترة أسبوعين، فهناك أساس للنظرية التي تقف وراءه. ففي الحقيقة أن البنتاغون أمر بإجراء دراسة نشرتها مجلة "فورتشن" وفيها يفسر تسبب التغيّر المفاجئ في درجات الحرارة في تحويل اتجاه تيار الخليج في المحيط الأطلسي ليعقب ذلك عصر جليدي جديد.
وإذا تم تحقيق اكتشافات نفطية جديدة ومهمة في العراق وتواصلت زيادة الإنتاج في القوقاز ومنطقة الخليج وإيران، فمن المرجح أن تهبط أسعار النفط، لكن ليس كثيراً. فالاتجاهات طويلة الأمد تجعل من الضروري أن تتعامل الحكومات الآن بجدي