بعد أن مرت بما يشبه عنق الزجاجة أو نهاية طريق مسدود تم الإعلان عن تشكيل الحكومة العراقية الانتقالية باختيار غازي عجيل مشعل الياور رئيسا للدولة. وبتعيين الياور انتهى جدل حامي الوطيس دار بين مجلس الحكم الانتقالي السابق من جانب وبول بريمر الحاكم الإداري الأميركي في العراق والأخضر الإبراهيمي مندوب الأمم المتحدة المكلف بالمساعدة لتأسيس حكومة عراقية انتقالية من جانب آخر.
وباستعراض الشكل الذي آلت إليه الحكومة الجديدة يلاحظ أنها تضم غازي الياور رئيساً، وإياد علاوي رئيساً للوزراء بالإضافة إلى نائبين لرئيس الدولة أحدهما إبراهيم الجعفري. الياور وعلاوي والجعفري هم من أعضاء مجلس الحكم السابق البالغ عددهم 42 عضواً. وأهم المناصب جميعاً منصب رئيس الوزراء. إن علاوي شيعي وبعثي انشق على النظام السابق ويرأس حالياً حزب الوفاق الوطني العراقي وله صلات قوية بالولايات المتحدة الأميركية. لقد ذهبت المناصب الحكومية الأخرى البالغ عددها 13 منصباً إلى مزيج مركب من التكنوقراطيين والسياسيين المحترفين وموظفي الخدمة المدنية. وبرغم تمنيات الإنسان العربي في كل مكان بنجاح الحكومة الجديدة في إخراج العراق من حالة الفوضى العارمة التي تلم به الآن، إلا أن الشكل الذي خرجت به الحكومة الانتقالية الجديدة قد لا يكون مطابقاً تماماً لما كان مرسوماً لها سلفاً سواء من قبل الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة. فالشكل المتأمل لها أصلاً هو أن تكون حكومة تكنوقراط كاملة لا يدخلها سياسيون محترفون.
ومما لا شك فيه أن التشكيل الحالي يعتبر موفقاً بالنسبة لمسألة الموازنة بين الفئات الاجتماعية الثلاث السنة والشيعة والأكراد، ولكن يبدو أنه لم يتحقق فيه كل شيء مطلوب على الصعيد السياسي. فالشخصيات القيادية التي تم اختيارها هي عبارة عن توليفة في ما يشبه الترويكا. إن المنصب الأكثر أهمية هو منصب رئيس الوزراء الذي تبوأه علاوي المنادي بفصل الدين عن الدولة. والملاحظ هو أنه في الوقت الذي يتواجد فيه عدد من التكنوقراط في الحكومة إلا أن جميع المناصب القيادية ذهبت إلى سياسيين محترفين، فثلاثة منهم كانوا ينتمون مباشرة إلى مجلس الحكم المنحل الذي لم يحظ بشعبية في أوساط العامة العراقية خلال الفترة الماضية.
والواقع هو أن تشكيل الحكومة جاء مخيباً لآمال كل من الولايات المتحدة والعراقيين. فكلا الطرفين لديه قائمة من المصالح الخاصة التي تشغله بعيداً عن مصالح الآخر. ففي الوقت الذي أرادت فيه الولايات المتحدة أن ترى حكومة عراقية يقودها أشخاص ذوو علاقات قوية بها، أراد العراقيون أن تعكس الحكومة والقيادة استقلال العراق التام. وفي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تفضل تطعيم الحكومة وقيادتها بمنفيين عراقيين لديها أو في أوروبا، يجمع الشارع العراقي على أن معظم هؤلاء فاقدو المصداقية تجاه تطلعات شعب العراق.
في هذا السياق لابد لي أن أطرح سؤالاً، فهل جميع هذه المؤشرات المتشابكة مهمة إلى هذا الحد أم أن المهم هو أشياء أخرى؟ إن الأهم هو ما يمكن لهؤلاء القيام به وما سيقومون به فعلاً في إعادة الأمن والاستقرار إلى القطر وفي الإعداد السريع لإجراء الانتخابات المزمع القيام بها. إن العراق في هذه المرحلة مثقل بجراح ثخينة، فموجة العنف والعنف المضاد في أوجها، والأمن بصورته الشاملة غائب، وعجلة الاقتصاد السليم متوقفة، والخدمات الأساسية مدمرة، والكهرباء ووقود السيارات غير متوفرة، وتمر البلاد ببطالة تكاد تكون شاملة. إن ما تحققه الحكومة الجديدة وقيادتها على هذه الصعد بالنسبة لحل المشكلات المتراكمة هو المقياس الحقيقي لتقييم فعاليتها. وهذا يعني أن كل ما يساق من مؤشرات وما يطرح من تحليلات ليس مهماً قياساً بما تزمع هذه الحكومة القيام به.
إن أم المشكلات في عراق اليوم هي مشكلة الأمن. والقليل من العراقيين هم الذين يبدون متفائلين بأن حل هذه الإشكالية يبدو قريباً. لذلك فإن اختيار إياد علاوي لمنصب رئيس الوزراء يبدو موفقاً إلى حد كبير نظراً لخبرته الطويلة السابقة في المسائل الأمنية. يضاف إلى ذلك أنه يبدي مرونة ملحوظة تجاه إمكانية إعادة بعثيين سابقين إلى الخدمة العسكرية والخدمات الأمنية الأخرى للمساعدة في إخراج العراق من دوامة العنف التي يشهدها الآن، فهل ينجح في ذلك؟ سؤال تكمن إجابته في ما سيحدث على مدار الشهور السبعة القادمة.
خاتمة القول دعونا ندعو جميعاً للعراق بأن يعود إليه الأمن وإلى أهله الطمأنينة والسلام فما رأوه حتى الآن تشيب له الولدان.