في معزل عما أعلن في "سي آيلاند" بعد اجتماع قادة دول الثماني وعدد من قادة الدول العربية والإسلامية حول "المنتدى من أجل المستقبل" الاسم الجديد لـ"مشروع الشرق الأوسط الكبير"، فإن سؤالاً يطرح شكل محور لقاءات ونقاشات ومحاضرات وكتابات ومداخلات في العديد من عواصم العالم خصوصاً في العالم العربي، وهو: هل صحيح أن موضوع الإصلاحات والتغيير والتطوير في هذا العالم مرتبط بعملية السلام في المنطقة؟ وبوضوح أكثر: هل تبدأ عملية التغيير بعد إنجاز السلام؟ أم تنطـــلق قبله؟ وهل الارتباط تام وكامل بينهما أم أن ثمة ملفات وقضايا يمكن معالجتها بمعزل عن الاستقرار العام في المنطقة؟.
كل هذه التساؤلات مشروعة ومنطقية وتحتاج إلى بحث معمق للإجابة عليها انطلاقاً من واقع وخصوصية كل دولة من دولنا وطبيعة النظام القائم فيها والمشكلات التـي تعاني منها. لكنه ينبغي رسم إطار للنقاش حولها من أجل الوصول إلى النتائج العمليــــة المرجوة.
من أين نبدأ؟ هل نبدأ من الربط بين ضرورات التغيير وضرورات مكافحة الإرهاب كما تقول الولايات المتحدة الأميركية؟ وهل هذا يعني أن الوضع القائم والسياسات والبرامج التربوية المعتمدة والثقافة هي المسبب في إنتاج الإرهاب؟.هذا ليس المنطلق السليم وإن كان لابد من مناقشته في سياق البحث المعمق الذي أشرنا إليه إذ لا يجوز إغفال عناصره، ولكن الأمر يعيدنا إلى نقاش مع الأميركيين حول مفهوم الإرهاب، والى القول: إذا كان مبرر التغيير في نظركم هو ما نواجهه وتواجهونه من أفكار وتنظيمات تقوم بعمليات "إرهابية" وتمارس ممارسات قمعية هنا وهناك، فلا يسعنا إلا التذكير أن هذا من صنع أيديكم وجني سياساتكم. فالحركات والأحزاب والقوى والجماعات المشكو منها اليوم والمسببة والممارسة في نظركم للإرهاب هي صنيعتكم وحليفتكم وشريكتكم على مدى عقود من الزمن استخدمت لتنفيذ أهدافكم وأطماعكم وهيمنتكم على مقدرات بعض الدول دون مبررات باعترافكم أنتم كما حصل مؤخراً في العراق. ومن كان يدعم هذه القوى في المنطقة كان أيضا حليفاً لكم وهو في موقع الإدانة اليوم من قبلكم.
هل هذا يغطي ويبرر حقيقة ً الدور الكبير لبعض هذه القوى؟ بالتأكيد لا. لكن المطلوب معالجة الأسباب لا النتائج. وهل هذا يعني أن الحق في كل ما نعاني منه هو على الولايات المتحدة الأميركية؟ بالتأكيد لا أيضاً وأنا من المعارضين بشدة لسياسة أميركا ومشروعاتها. ولكن الحقيقة تقضي بالاعتراف بأننا نتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الواقع الأليم الذي تعيشه دولنا.
فإذا كان البعض يتحدث عن أن السلام والاستقرار هما أساس التغيير ويعتبر أن المواجهة مع إسرائيل هي المسبب في التأخر في خطوات التغيير، فإن معظم هؤلاء لا علاقة لهم بالصراع مع إسرائيل بل هم بعيدون كل البعد عن ذلك! منهم من أقام اتفاقات وعلاقات مع إسرائيل، ومنهم من أقام اتفاقات وعلاقات مع أميركا أبعدته عن ذلك، وكل هؤلاء لم يقدموا شيئاً يذكر في إطار الصراع مع إسرائيل ولا يعتبر هذا الأمر الهم الأول الذي يحكم سياساتهم وقراءاتهم وتوجهاتهم!
وإذا سلمنا جدلاً بأهمية هذا العنصر في دول المواجهة والدول الأخرى، فلا يمكن الإقرار بأن كل شيء عندنا مرتبط به. فهل الصراع مع إسرائيل يمنع محاسبة الموظف الذي يخطئ؟ والمسؤول الذي يمارس الرشوة والفساد؟ وبالتالي إهدار المـــــال العام؟ أم أن هذا الصراع يستوجب المحافظة على كل إمكانات وطاقات الأمة لضمان النجاح؟
وهل الصراع مع إسرائيل، في ظل هذا الوضع من الفساد يفرض تقييداً للحريات وتعميماً للفقر حتى في الدول الغنية وقد فاجأت المعلومات والصور والأرقام التي كشفت حول هذا الأمر كثيرين؟ وهل الصراع ذاته هو السبب في إعاقة تطوير المؤسسات والحياة السياسية في بلادنا وتكريس ثقافة اليأس والقلق والجهل لكثير من القضايا العلمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها في وقت تغزونا وسائل الإعلام من كل حدب وصوب وتدخل إلى منازلنا دون استئذان لتلقي الضوء على هذا الواقع فتحرك وتحرض من تريد بهدف أو بدون هدف مقصود ومبرمج وتحرف ما تريد وتقع أجيالنا تحت تأثيرها وفي دائرة "إعلام الواقع"؟
وهل الصراع مع إسرائيل هو الذي يؤخر التنمية البشرية ومشروعات محو الأمية المتنامية في المنطقة في وقت تنفق أموال هائلة على مشروعات غير منتجة وقصور ومؤسسات وتهدر ثروات على اللهو والترف والتقليد ومسايرة هذا النظام أو ذاك النظام لحماية موقع وكرسي هنا أو هناك؟
ألا يستوجب هذا الصراع قراءات سياسية هادئة وقرارات استراتيجية حكيمة تعبر عن الإدارة الحكيمة لقضايانا ومصيرنا وهذا ما لا يحصل بل يغرق قادتنا في قرارات وتوجهات وحروب تنهك دولنا ومجتمعاتنا وتفكك علاقاتنا وتضرب إمكانات تعاوننا وتنسف أسس مؤسسات عملنا المشترك وتعمق أزمة الثقة فيما بيننا؟ فهل الصراع مع العدو هو الذي يمنع التعاون الاقتصادي؟ والتبادل الاقتصادي وقيام السوق العربية المشتركة، أم أنه يفرض ذلك بإلحاح؟ فلا نرى إلا الشيء القليل المع