على الرغم من أن طريقة تعيين الحكومة العراقية الانتقالية ، التي أُعلن عنها الأسبوع الماضي في بغداد ، لم تختلف عن طريقة تعيين أعضاء مجلس الحكم الانتقالي في تموز العام الماضي، فإننا سنحترم الاختيار على قاعدة القبول بـ (أفضل الميسور)، إذ ربما لم يكن بالإمكان أفضل مما كان ، أو هكذا خُيل للناظر على الأقل ، بالرغم من أن التشكيلة تعتبر خرقا فاضحا لقانون إدارة الدولة العراقية المؤقت الذي كان قد وقعه مجلس الحكم في
(8 آذار) مارس الماضي ، والذي نص على أن المجلس الوطني الذي سينتخبه العراقيون هو الذي سيختار الرئيس ونائبيه .
واعني هنا بتشابه طريقتي التعيين، من عدة جهات ، وبالذات لجهة مصدر التعيين (الاحتلال) وان اختلفت، هذه المرة ، أسماؤه ومسمياته وعناوينه ورجالاته ، سواء أولئك الذين عملوا من فوق الطاولة في تسمية المرشحين للمناصب، أو من تحتها، من جانب، وطريقة التعيين والتي جاءت بكلا الحالتين على قاعدة المحاصصة المعروفة، لتغطي مساحة الأحزاب والشخصيات التي تعاونت، ولا تزال مع الاحتلال، فقط .
الذي يأمله العراقيون، هو أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يتم فيها اللجوء إلى طريقة التعيين والمحاصصة، إذ يحدوهم الأمل الكبير في أن يلجا الجميع، في المرة القادمة، إلى صندوق الاقتراع على قاعدة (صوت واحد، لمواطن واحد) لملء كل مقاعد المسؤوليات والمواقع ، لنضع حدا للتدخلات الأجنبية والإقليمية في فرض هذا الزعيم أو اقتراح ذاك الرئيس .
والسؤال، كيف ننجز هذا الأمل ؟
أولا ــ الحمد لله ، فقد تشكلت الحكومة الانتقالية على حسب رغبة أعضاء مجلس الحكم ــ أو هكذا أعلن عنه على الأقل ــ فقد جاءت التشكيلة سياسية، وليست تكنوقراط كما أرادها الإبراهيمي ، كما أنها غطت مساحة أعضاء المجلس ، بشكل أو بآخر .
وكما يبدو فإن الاحتلال استرضى كل أعضاء المجلس بطريقة أو بأخرى، ما يعني أن من المفترض والمؤمل، أن يدعم كل هؤلاء، هذه الحكومة وبكل الطرق لإنجاح مهمتها في الفترة الزمنية المتبقية إلى نهاية العام الحالي ، موعد إجراء الانتخابات العامة، على اعتبار أنها حكومة انتقالية محدودة الصلاحية (زمنيا) والصلاحيات ، ليس أكثر .
ثانيا ــ لا أحد ينتظر من هذه الحكومة، أن تحقق أية معجزات في عمرها الزمني القصير، إذ يعلم الجميع بأنها لا تمتلك عصا موسى السحرية لتضرب بها البحر فينفلق للعراقيين كالطود الشامخ ، كما أنها لا تمتلك الكثير من السيادة والسلطة ، التي لن تنتقل إلا إلى حكومة وطنية منتخبة من قبل الشعب العراقي ، فلماذا ، إذن ، نحملها مسؤوليات وواجبات، نعرف مسبقا أنها فوق طاقتها ، وخارج إرادتها ؟ .
فالعراقيون مثلا ، لا ينتظرون من الحكومة أن تحل مشاكلهم الأمنية ، لان الملف الأمني ــ ولأسباب كثيرة صنعها ، أو ساعد على صناعتها المحتل ــ ستظل سلطات الاحتلال تحتفظ به لنفسها ــ والتي سيستبدل اسمها من سلطة التحالف المؤقتة برئاسة بريمر ، إلى سلطة السفارة الاميركية الدائمة برئاسة السفير المُعين .
كما أنهم لا ينتظرون منها أن تبادر إلى تحسين مستواهم المعيشي ، لأن عائدات النفط وميزانية الوزارات ستظل كذلك تحت إشراف وتصرف الاحتلال والمستشارين الأجانب الـ (200).
كذلك ، فإنهم لا ينتظرون منها أن تضع حدا لنشاط جماعات العنف والإرهاب التي تسللت من دول الجوار وانتشرت في مختلف مناطق العراق ، من خلال ضبط حدوده مثلا مع جيرانه، وبالذات مع الأردن (الشقيق) الذي ظل طوال العام الماضي يصدر لأشقائه العراقيين، أفضل منتوجاته وسلعه ، وبامتياز ، واعني بهم الإرهابيين المتمرسين على القتل والمتفننين في وسائل التدمير ، لان القيادة العسكرية للجيش العراقي الجديد ستظل تحت إمرة قوات الاحتلال .
رحمة بالحكومة الانتقالية، فلن يتوقع العراقيون منها أن تتصدى لهذه المهام والمسؤوليات الجسام ، والتي ستتحملها بالنيابة عنها (مشكورة) سلطات السفارة الاميركية في بغداد، التي نقل إليها الرئيس بوش الملف بالكامل ، الأسبوع الماضي .
شئ واحد فقط ينتظره العراقيون من هذه الحكومة العتيدة ، وهو أن تصب كل جهدها وتصرف كل وقتها من اجل الإعداد للانتخابات القادمة المزمع إجراؤها نهاية العام الحالي .
سيقيس العراقيون مدى جدية وصدقية وحرص هذه الحكومة على سير العملية السياسية والديمقراطية ، برمتها ، في الاتجاه الصحيح ، بمدى جديتها في العمل المثابر للإعداد للانتخابات من اجل الالتزام بإجرائها في الوقت والموعد المحدد لها، من دون التعلل بأية أسباب ، لتأجيلها أو تزويرها أو التلاعب بها .
إن العراقيين لم يكترثوا كثيرا بأسماء ومسميات وعناوين الحكومة الانتقالية التي خلفت مجلس الحكم ، لأنهم ، وبصراحة ، لم يشاركوا أو يستشاروا في اختيار الأسماء التي جاءت كنسخ متطابقة إلى حد بعيد مع أسماء أعضاء مجلس الحكم الذي لم يستشر العراقيون وقتها ، كذلك ، في اختيارهم ، فكما رأينا كيف تجاهل العراقيون مجلس الحكم طوال العام الماضي ، لانشغالهم بهمومهم الأمنية والمعيشية اليومية ، إلى جان