حان الآن وقت الحيلولة دون تحقق السيناريو الكابوس الذي يقع فيه هجوم نووي. ذلك أن الخطاب الذي يتبناه زعماء العالم الآن حيال مسألة انتشار الأسلحة النووية والمواد النووية لم يكن خطاباً مقترناً بما يكفي من العمل الملموس، وذلك على رغم إعلان أسامة بن لادن زعيم منظمة "القاعدة" أن "واجبه الديني" يفرض عليه الحصول على سلاح نووي واستخدامه ضد الغرب.
وها نحن نحث زعماء مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، الذين التقوا يوم أمس الثلاثاء في سي آيلاند بولاية جورجيا الأميركية، على وضع خلافاتهم حول العراق جانباً وعلى الاتحاد فيما بينهم من أجل تنفيذ استراتيجية شاملة معنية بمنع الانتشار النووي وتشتمل على خطوات ملموسة وعلى تقديم التزامات مالية متزايدة بغية السيطرة على انتشار مواد صنع القنابل النووية وبغية إحباط طموحات أولئك الراغبين في الحصول عليها.
وأولاً، لابد لدول مجموعة الثماني- وهي كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، روسيا، بريطانيا والولايات المتحدة- من الوفاء بوعودها التي قطعتها لجمع مبلغ 20 مليار دولار من أجل تمويل "الشراكة العالمية لمجموعة الثماني ضد انتشار أسلحة ومواد التدمير الشامل". وعلى رغم أنه ما يزال هناك نقص قدره 3 مليارات دولار، فإن هذه الخطوة المهمة تساعد روسيا وغيرها من البلدان المعنية على تخزين مواد الأسلحة النووية والكيميائية وكذلك التخلص منها على نحو آمن.
وحتى إذا تم الوفاء بتلك التعهدات، فإنه ما يزال هناك نقص في حجم الأموال الذي يكفي لتنفيذ المهمة. وستكون تكلفة تأمين وحماية الإرث النووي الذي آل إلى روسيا مبلغ 30 مليار دولار، هذا إضافة إلى أن هناك في أنحاء العالم مخزونات غير مؤمّنة ومحمية على نحو كاف وملائم من اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم عالي التخصيب والمستخدم في صنع الأسلحة النووية.
وقد أطلق كل من الرئيسين الأميركي جورج دبليو بوش والروسي فلاديمير بوتين برنامجاً الغرض منه حماية وتأمين المواد الانشطارية في كل أنحاء العالم. غير أن إتمام خطتهما تلك سوف يستغرق مدة 10 سنوات، وسيبقى في وسع الإرهابيين خلال تلك الفترة أن يجمعوا المواد الانشطارية من أجل صنع قنبلة نووية. ولذلك فإن توصيتنا الثانية التي نرفعها هنا تقتضي أن يلتزم زعماء دول مجموعة الثماني بجدول زمني أكثر حزماً وإصراراً- أي ضمن فترة السنوات الأربع أو الخمس القادمة- وذلك من أجل إنجاز هذا العمل المهم.
وثالثاً، لابد لدول مجموعة الثماني من أن تستعين بكل الحوافز والعقوبات التي تحت تصرفها من أجل وضع حد للانتشار النووي. ويشتمل ذلك على سد الثغرات الموجودة في معاهدة منع الانتشار النووي والتي تعطي لدول مثل كوريا الشمالية القدرة على تطوير الأسلحة النووية تحت غطاء برامج توليد الطاقة النووية.
ورابعاً، ينبغي على زعماء مجموعة الدول الثماني إلزام أنفسهم بدبلوماسية نشطة ومباشرة وشخصية فيما بينهم، وهي التي من شأنها أن تمكّنهم من تقليص التوترات الإقليمية التي من الممكن أن تؤدي إلى استخدام الأسلحة النووية. ومن ذلك على سبيل المثال أن تقليص حجم التهديد النووي المتبادل والقائم بين الهند وباكستان كان من الممكن، لو حدث، أن يفتح الباب على اتخاذ خطوات إضافية وأبعد نحو تقليص مخاطر وقوع اشتباك بالأسلحة النووية.
وأخيراً، على رغم أن كلاً من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية قد اتخذت بالفعل خطوات إيجابية مفيدة لتقليص حجم ترساناتها النووية، فلابدّ من فعل ما هو أكثر من ذلك. فالإخفاق في هذا السياق من شأنه أن يشجّع الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية ليجعلها تتمرد على المعايير بدافع سخطها وعدم رضاها عمّا تتصور أنه معايير مزدوجة، أي أن بعض الدول تحصل على أسلحة نووية في حين أن الدول الأخرى لا تمتلكها. ولذلك نحن ندعو الرئيس بوش والولايات المتحدة إلى وقف تطوير أسلحة نووية جديدة كتلك التي يطلقون عليها اسم "ناسفة التحصينات والدّشم". وينبغي أيضاً على الولايات المتحدة الأميركية أن توقّع على المعاهدة الشاملة المعنية بحظر الاختبارات النووية. كما ينبغي على كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا أن تؤيد معاهدة معنية بوقف انتشار المواد الانشطارية، وهي المعاهدة التي من شأنها أن تضع حداً لإنتاج المواد الانشطارية من أجل استخدامها في الأسلحة النووية.
وبالنظر إلى ما لديها من مقدرات على شكل أسلحة نووية، تتحمل الولايات المتحدة الأميركية والبلدان الأوروبية مسؤولية خاصة توجب عليها ضمان عدم حدوث المزيد من انتشار هذه الأسلحة الرهيبة. وقبل أن يكون في وسعها الوفاء بمقتضيات هذه المسؤولية، لابدّ للولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية من أن تكون في نظر الآخرين دولاً ذات مصداقية تقوم بالدفاع عن منع الانتشار النووي.
ومن شأن الخطوات التي وصفناها هنا أن تساعد على استعادة المصداقية إلى الدعوات المعنية بالحد من الانتشار النووي العالمي، كما تساعد على تمكين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا م