العلماء الغربيون، الذين تستفيد منهم البشرية كل يوم بما يريح الحياة ويبهجها، توصلوا إلى الوسيلة العلمية لاستبدال الوجوه المشوهة من الحرائق والحوادث بالوجوه السليمة للموتى. ولا يتعدى الأمر ما يحدث الآن من تبرع بأعضاء الجسم من قزحية أو كلية بعد الموت مباشرة، ولكن لم يفكر أحد في التبرع بالوجه حتى الآن، وبالتالي ما عادت المشكلة في معرفة التقنية اللازمة لعملية الاستبدال، بل بالجانب الأخلاقي منها، كما هو حال استنساخ بني البشر الذي سيتحقق خلال السنوات القليلة القادمة، وقد يتمكن أحد العلماء الأشرار من تخويف الناس حين ينتشر وجه هتلر أو ستالين أو حتى صدام حسين.
المشكلة كما قلنا ليست في التقنية اللازمة لتحقيق مثل هذا العمل العجائبي، فمنذ أن توصل العلماء إلى خريطة الجينات للجسم الإنساني ثم للحيوان، أصبحت المشكلة أخلاقية في المقام الأول. فالوجه خلافاً للكلية أو القلب أو اليد أو القدم، هوية بشرية مظهرية تجعل كل إنسان متفرداً بين أقرانه من بني البشر. والناس حين تشاهد "وجه" الممثل توم كروز أو نور الشريف مثلاً، ولا ننسى نانسي عجرم على الطريق، فإنها تعرف هؤلاء جميعاً من الوجه، ولو تخيلنا مثلاً وجه توم كروز - حتى لا تغار النساء من ذكر نانسي بنت عجرم- على جسد شخص آخر بعد أن يتم زرع هذا الوجه، لظللنا على اعتقادنا بأننا نشاهد نفس الممثل حتى لو كان أطول قليلاً، وسنجد شتى التبريرات لمسألة الطول هذه، لكن سيكون هذا "الوجه" هو الذي سنتعامل معه، ونحبه، ونود مصافحة اليد المرتبطة بهذا الوجه.
الآن لو تخيلنا أن أحد المتوفين من الذين وافقوا أثناء حياتهم على التبرع بأعضائهم بعد موتهم، ثم أخذ وجهه -شخصيته الخارجية المميزة جداً له في المجتمع- ووضع على وجه شخص آخر تشوه نتيجة حادث إطلاق نار أو حرب أو حادث مروري! ماذا سيكون أثر ذلك على أبويه وأصدقائه ومحبيه؟ إنها قضية نفسية بالنسبة لهم في المقام الأول، وهي قضية مؤلمة بكل المقاييس، حيث يعلم هؤلاء جميعاً أن الذي يحبونه مدفون بلا وجه؟! ولا مجال للحديث عن الصورة في الهوية للمتوفى، لأن الصورة سوف تلغى في المستقبل وتستبدل ببصمة العين أو الصوت، كما يحدث الآن في مطارات الدول المتقدمة التي سوف تعتمد بصمة العين كهوية للمسافر، ومن ثم لا حاجة إلى صورة "الوجه" في الهوية، ولابد أن نزجي الشكر - إن كان هذا مقبولاً- للإرهابيين الذين ساعد إرهابهم على تطوير هذه التقنيات العجائبية في عصر العولمة.
لكن، من جانب آخر، سيكون هذا العمل الخارق منقذاً لآلاف المشوهين الذين يجدون صعوبة في الحياة في المجتمع بسبب تشوههم، وهو حل إنساني جليل سيوفر الفرح ويعيد البسمة لكثير من الوجوه المحطمة. ويبقى الجانب الأخلاقي هو المهم، وكذلك ستثار جوانب قانونية، وليحمد الغرب الله على عدم تدخل بعض رجال الدين المتزمتين في حياتهم، وإلا لظلوا مثلنا – نحن العرب والمسلمين- يرتعون في التخلف الأبدي!
عقل الإنسان، آلة جبارة، لا يوقفها ولا يحطمها سوى رجل الدين المتزمت والتقاليد الاجتماعية البائسة، وانظروا إلى الغرب وكيف ينطلق مخلفاً لغيره غبار التطور.