استضافت قطر ندوة حول الإصلاحات الديمقراطية في العالم العربي، وقد سبق هذه الندوة لقاء مسيحي-إسلامي للتحاور والتقارب، دعا فيه ولي العهد القطري إلى التحاور مع اليهود من منطلق إنساني، وهو ما رفضه د. القرضاوي لأسباب سياسية غير واعٍ للفرق بين اليهود كأصحاب ديانة، واليهود الصهاينة الذين يحتلون الأرض العربية والقدس الشريف، وبرغم حقيقة الدعوة القرآنية للنبي صلى الله عليه وسلم، بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وخاصة أن الإرهابيين من الحركات الأصولية قد نجحوا في تشويه صورة الإسلام لدى الآخرين، حتى أصبح المسلم منبوذاً في جميع أقطار العالم.
وبرغم حقيقة أن دولة قطر لا تتمتع بنظام ديمقراطي دستوري، إلا أن نظامها السياسي والاجتماعي يحمل آمالاً سياسية واجتماعية واعدة في ظل أميرها الحالي، خاصة وأن النظام السياسي القطري ليس حريصاً على الحصول على منحة الشرعية من الجماعات الدينية، بدليل العلاقات مع الكيان الصهيوني، والانفتاح على الولايات المتحدة الأميركية وإقامة مختلف المؤسسات التعليمية الأميركية والغربية، والانفتاح المدني الذي يوسم الاحتفالات الموسمية من مسرحيات وحفلات غنائية وفرق أجنبية تقام على أرض دولة قطر، دون أن تنبس الجماعة الدينية ببنت شفة -كما تقول العرب المستعربة- ولذلك فإن نقصان الكم السكاني في قطر سيعوضه الجانب النوعي في تسريع التحرك السياسي والاقتصادي والاجتماعي نحو احتمالات تطور في هذه المجالات بشكل غير مسبوق وواعد سوف تجعل من قطر رقماً صعباً في المنطقة الخليجية.
السؤال: كيف ستتواءم السياسة القطرية ذات الطابع الانفتاحي تجاه أميركا وإسرائيل، والقائمة على الانفتاح الإعلامي، وقبول الرأي الآخر، مع مجمل السياسات الخليجية المتعارضة مع هذا التوجه؟ من الواضح أن دولة قطر معنية بسياساتها الخاصة دون أن تعبأ بمواقف الآخرين، خاصة إذا وجدت أن هذه السياسات خاطئة أو غير مناسبة للتوجه القطري. لذلك من المتوقع مستقبلاً أن لا تنساق السياسات القطرية بشكل عام مع السياسات الخليجية، بل من المتصور أن تغرد السياسة الخارجية القطرية خارج السرب الخليجي. لكن هل هذا من مصلحة قطر؟ إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مجلس التعاون الخليجي لم يحقق المرجو منه خلال أكثر من عشرين عاماِ، وأن الاختلافات في مجمل الموضوعات كانت ولا تزال أكثر من الاتفاقات، وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية التي تقوم بدور بارز في تطوير الحياة في قطر، لابد من القول إن من مصلحة قطر أن لا تربط نفسها بالسياسات الخليجية ذات الطابع الانفرادي وغير المستقر، وخاصة أن النظام السياسي القطري، إذا ما استمر على نفس الوتيرة في الانفتاح الحر في جميع المجالات سيحتاج إلى الاستقلالية في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد قيام النظام الدستوري.
ومن خلال زيارة قصيرة لقطر والالتقاء مع بعض الأخوة القطريين من أعضاء الجامعة، يمكن القول إن النظام القطري يدرس التجربة الكويتية بوعي حتى لا تعيش البلاد في ظل الاستبداد الديمقراطي الذي تعيشه الكويت في ظل هيمنة الجماعات الدينية، وهو ما تكرر للأسف في البحرين. وأعتقد أن النظام السياسي القطري سيكون النظام الديمقراطي الحقيقي الوحيد في المنطقة العربية على المستوى الدستوري، ذلك أن الديمقراطية بين أفراد المجتمع لا تصنعها القوانين، بل الروح الفكرية والاجتماعية الحرة السائدة في المجتمع، وهو الاختبار الحقيقي الذي رسبت فيه كل الدول الدستورية مثل الكويت ومصر وبجدارة.