... الأحكام الخمسة بالسجن مدى الحياة و40 سنة أخرى التي أنزلتها محكمة تل أبيب أمس في حق مروان البرغوثي أمين سر حركة فتح الفلسطينية في الضفة الغربية , هي أحكام سياسية في المبتدأ والمنتهى ولا تحمل صفة الأحكام القضائية على الإطلاق , طالما أنها صدرت من نظام قضائي يفتقر لأدنى مقومات الحيدة والنزاهة , وله سجل طويل مخز وحافل بالتمييز والتجاوزات والانتهاكات الموثقة دوليا ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني, كما أنها لا ترتبط بجرم جنائي ارتكبه المناضل الفلسطيني, الذي ظل يردد طوال فترة مسرحية محاكمته معارضته الحازمة لقتل الأبرياء في الانتفاضة المندلعة ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ سبتمبر من عام 2000.
أن يحكم على البرغوثي بالسجن مئات السنين, لا يغير من طبيعة الصراع الدائر بين إسرائيل كقوة استعمارية توسعية وبين الفلسطينيين كشعب واقع تحت الاحتلال ويتطلع إلى التحرر والاستقلال , ولن يؤثر هذا الحكم الظالم على المنحنى التصاعدي للكفاح الفلسطيني , فالقضبان مهما ازدادت سمكا, والزنازين برودة وعتمة , تظل وقودا ونارا تدفئ مفاصل المناضلين والمكافحين من أجل الحرية , ليخرجوا منها في النهاية أقوى عودا وأشد مراسا وأرهب جانبا وأكثر وقارا وحكمة, وما سيرة حياة المناضل الأفريقي والرمز الإنساني نيلسون مانديلا ببعيدة عن الأذهان, فقد أوهنت سنوات السجن والمنفى من قوة وغطرسة المستعمرالمستوطن , وزادت من عزم المقاوم على السير في طريق الحق المرسوم لشعبه إلى نهايته.
إن إسرائيل وبهذا الحكم وغيره من الأحكام الجائرة والسلسلة الطويلة من الممارسات غير الإنسانية بحق الفلسطينيين وبحق بقية الشعوب العربية , تثبت للعالم مرة أخرى أنها لم تغير من قاعدة تكوينها السياسي والاجتماعي والاقتصادي القائم على التمييز العنصري , وعلى انتهاك واغتصاب الحقوق , وأنها الكيان الوحيد في العالم الخارج على كل شرعة وقانون ومبدأ , لكن تظل المواقف السياسية وخاصة تلك التي اقتيد من جرائها البرغوثي إلى السجن كما الغيوم الممطرة , طليقة تمنح الظلال والرواء أينما حلت.