تعيين الحكومة العراقية الجديدة يثير من التحديات أمام العراقيين أكثر مما واجهوه حتى الآن منذ سقوط نظام صدام حسين، وذلك لأن هذه الحكومة الجديدة مطالبة بتوفير حد مقبول من احتياجات المواطن العراقي الكثيرة، من استعادة الأمن والسلام الاجتماعي، إلى توفير فرص العمل والحياة الكريمة، خاصة وأن ملايين العراقيين عاطلون عن العمل منذ السنة الماضية. ولا تقف التحديات هنا، فالحكومة الجديدة مطالبة بأن تحرر القرار العراقي من أية وصاية قد تبقى لسلطة الاحتلال، وإن تحت تسميات أخرى، وعلى نحو قد يجعل الحكومة العراقية تبدو كحكومة ظل لتلك الوصاية أو الإشراف، إذ ليس سهلاً أن يتخلى الأميركيون بشكل نهائي وطوعي عن توجيه القرار في ما يعتبرونها حكومة يعود الفضل إليهم هم في جعلها تمسك بمقاليد الحكم في بغداد، وهو "فضل" يتعين على العراقيين، لاعتبارات تتعلق بالسيادة والمصلحة الوطنية، أن "يتنكَّروا" له، حتى ولو كان ذلك في حدود الممكن، وعلى قدر الجهد.
وأول ما يجب على الحكومة العراقية الجديدة التنكر له بل والتخلص منه هو ميراث ما كان يسمى بمجلس الحكم الانتقالي المنحل، الذي أثبت طيلة سنة أو يزيد أنه كان أحسن مثال على أسوأ تشكيلة سياسية ممكنة. ولذا لزم نسيان تقاليد ذلك المجلس، وأولها الاستسلام للمنطق الطائفي، ونظام المحاصصة الفئوية والعشائرية. وعليها أن تكون معبرة بحق، عن مصالح المواطنين العراقيين دون تمييز أو فرز طائفي، لا جدوى منه، وتجارب العراقيين المريرة تشهد على ذلك.
إن وضع الحكومة العراقية الحالية التي جاءت بالتعيين أو التزكية، لا يرقى بها إلى أن توصف بأنها حكومة ديمقراطية، أتت عن طريق الانتخاب، ومن هنا فإن شرعيتها الانتقالية التي ستستمر من هنا وحتى انتخاب حكومة نهائية في مطلع العام المقبل، تتوقف على مدى ما تنجزه للمواطنين العراقيين البسطاء. والخوف أن تستغل بعض الأطراف وجودها في الحكم للاستثمار السياسي باستغلال النفوذ ومقدرات البلاد، في تعزيز المواقع الشخصية والفئوية، استعداداً لانتخابات العام المقبل.
ويتعين على هذه الحكومة أن تبذل أقصى ما تستطيع للتخلص من المستشارين الأجانب، المتناثرين كيفما اتفق في الوزارات العراقية، على رغم عدم قدرتهم على تفهم خصوصيات الشعب العراقي، ورغم توافر البديل من الكفاءات العراقية المنتشرة في معظم دول العالم.
والحكومة العراقية أخيراً مطالبة على رغم زحام وصخب المشهد السياسي الداخلي، بأن ترفع عينيها قليلاً، لتلقي نظرة على الوضع الإقليمي، فتولي اهتماما لعلاقات العراق مع محيطه العربي. لأن العراق دولة محورية في المعادلة العربية اختطفها البعثيون ثلاثة عقود، وحولوها إلى عامل تخريب للعلاقات العربية ومصدر تهديد للأمن القومي، ثم تحولت على أيديهم إلى صفر على الشمال في المعادلات الإقليمية، ولابد بالتالي لأية حكومة عراقية مقبلة من تصحيح هذا الوضع، وجعل بلادها تلعب الدور المنتظر منها لدعم القضايا العربية.
أعرف أن مثل هذا الكلام قد يكون سابقاً لأوانه، بالنسبة إلى حكومة لديها هذه التركة الداخلية الثقيلة من الاحتلال وضرورة إعادة الإعمار ومطالب إعادة البناء الداخلي من الصفر تقريباً. غير أن وعي العراقيين اليوم، في هذا الوقت المبكر، بالأهداف التي يسعون لتحقيقها، داخلياً وإقليمياً، هو أول شرط للمضي في خطوات ملموسة على الطريق الصحيح.