في الأسبوع الماضي، نفّذت منظمة "القاعدة" أنجح هجوم لها على الإطلاق منذ 11 سبتمبر في عام 2001. وقد كان جزء كبير من ذلك النجاح ناتجاً عن ردة الفعل الأميركية. فللمرة الثانية في غضون شهر واحد، ضرب الإرهابيون هدفاً رخواً في قطاع البترول في المملكة العربية السعودية، فأودى الهجوم بحياة 22 شخصاً في مدينة الخبر، منهم سعوديون وأميركي واحد إضافة إلى أجانب آخرين، في حادث كان مأوساياً حقاً. لكن ذلك كان في السياق الأوسع هجوماً ضيق النطاق، وما كان ينبغي التعامل معه على أساس أنه أكثر من ذلك. فالإرهابيون لم يهاجموا قطاع البترول السعودي؛ ولم تكن هناك خسارة لبرميل واحد من البترول المعد للتصدير.
بل كان الهدف الحقيقي للهجوم هو ضرب رغبة الأجانب في مواصلة الإقامة في ذلك البلد، وكذلك توجيه ضربة مباشرة إلى أعمدة الاقتصاد السعودي وقدرة السعودية على اجتذاب الاستثمارات التي تحتاج إليها لتحقيق الإصلاحات. وبذلك الهجوم، كانت منظمة "القاعدة" تهاجم في وقت واحد الحكمَ السعودي ومساعيه الرامية إلى تحديث البلاد وإعادة بناء روابطها مع الولايات المتحدة.
ومن سوء الحظ أن ردة الفعل الأميركية الرسمية على الهجوم اتخذت شكل الذعر، وهو بالضبط ما حدث في مطلع شهر مايو الماضي عندما لقي خمسة مقاولين غربيين مصرعهم هناك. ولم توجّه الولايات المتحدة دعوة إلى بذل المزيد من الجهود الأمنية السعودية، كما لم تقدم إلى السعوديين المساعدة في مجال مكافحة الإرهاب، بل لم تحاول الرد على الهجوم. فبدلاً من ذلك، قررت السفارة الأميركية في العاصمة السعودية الرياض أن تتناسى أمر الاستثمارات والتجارة الأميركية وذلك يتوجيهها دعوة إلى جميع الأميركيين المقيمين هناك لمغادرة البلاد.
ويأتي هذا في وقت سجلت فيه أسعار النفط ارتفاعاً قياسياً في بلد يشكل فيه إنتاج النفط أهمية قصوى للاقتصاد الأميركي وللاقتصاد العالمي وكذلك لكل قطاع من القطاعات الأميركية، وفي منطقة توجد فيها 60% من احتياطيات النفط العالمية المؤكدة. وتوجد في كل بلدان منطقة الخليج العربي خلايا للمتطرفين؛ وإذا كانت الأدلة تؤكد أن السعودية عرضة للهجوم، فإن البلدان الأخرى سيأتي دورها. وهل هناك ما يدعو إلى التساؤل والتعجب إزاء حدوث مزيد من الارتفاع المفاجئ والكبير في أسعار النفط في الأسبوع الماضي، إذا كان الأميركيون عازمين على مغادرة البلاد بسرعة كلما حدثت فوضى في الأوضاع؟ ولماذا ينبغي أن تكون لدى تجار النفط أية ثقة في الإمدادات النفطية المستمرة؟
إنه شيء إيجابي جداً ومستحسن أن يكون هناك حديث عن حرب عالمية النطاق على الإرهاب. غير أن كسب تلك الحرب في أية حال يوجب على المتحدث أن يخوضها على كل جبهة. ونحن نعلم أنه في فترة وقوع هجمات 11 سبتمبر، خضع ما بين 70 إلى 100 ألف شاب للتدريب بشكل ما من الأشكال في معسكرات الإسلاميين. كما نعلم أن لمنظمة "القاعدة" نوعاً من الارتباطات مع حركات معينة متواجدة في أكثر من 60 بلداً. وفي السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001، ألحقت الولايات المتحدة الهزيمة بنظام طالبان وبمنظمة "القاعدة" في أفغانستان، غير أنها أخفقت في القبض على كثير من الزعماء أو في تحقيق الأمن في ذلك البلد، كما أنها لم تنجز أيضاً مهمة بناء الأمة وهي المهمة التي من الممكن لها أن تحقق النصر الحقيقي. وقد أدى تشتت الإرهابيين إلى زعزعة استقرار منطقة غرب باكستان، كما أدى الصراع السياسي الناجم هناك إلى تقوية الإسلاميين في بقية مناطق البلاد وخَلَقَ تهديداً إقليمياً جديداً.
وعلى رغم ذلك، وبدلاً من وضع خاتمة لذلك القتال، عمدت واشنطن إلى غزو العراق. وعلى رغم أن التخلص من صدّام حسين كان شيئاً رائعاً في رأي الشعب العراقي، لم تتوفر حتى الآن أدلة على أن العراق كان ذات يوم مركزاً للإرهاب أو على وجود ارتباطات بينه وبين المتطرفين الإسلاميين. وكما حدث في أفغانستان، أخفقنا في تحقيق الأمن للعراق بعد نجاحنا العسكري، كما أننا صرنا أبطأ من أن نتمكن من استحداث خطة ذات معنى من أجل إعمار العراق. وهناك يومياً أدلة عنيفة على أن الغزو الأميركي قد أنتج مزيجاً من الإسلاميين والمتطوعين الأجانب، وهو المزيج الذي يشكل خطراً متعاظماً.
وقد خرج المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن بتقديرات مفادها أن لدى منظمة "القاعدة" وشركائها قوة قوامها 18 ألف رجل ينتظم الكثير منهم في صفوف الحركة كنتيجة للنزاعات الدائرة في كل من العراق وأفغانستان. ويشعر بعض خبراء الاستخبارات الأميركيين المعنيين بالشأن العراقي بأن عدد المتمردين ربما ما زال يتعاظم حتى الآن بسرعة أكبر تفوق قدرة العمليات العسكرية لسلطة الائتلاف المؤقتة على تقليصه. ولذلك فإن ما نحتاجه الآن هو براغماتية وليس أيديولوجية. ويبدو أن المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية الحالية قد تخلوا عن حلمهم بمبادرة أوسع نطاقاً معنية بالشرق الأوسط، وهو ما يشكل إشارة تلقى الترحيب وتدل على حدوث النضج. لكن هذا لا يعني أن الوقت قد حان لاتخاذ