في منتصف فصل الصيف، يبدو الجزء الشمالي من خليج المكسيك، الذي يصب فيه نهر الأمازون، متلألئا مثله في ذلك مثل أية منطقة أخرى. ولكننا إذا ما قمنا بالغوص لعشرات الأمتار إلى القاع، فإننا سنجد أن الأسماك وغيرها من الكائنات البحرية الأخرى التي تعيش في القاع، تجاهد من أجل التقاط أنفاسها. وهذه المنطقة التي تعتبر واحدة من أكبر( المناطق الميتة) الساحلية في العالم ليست هي المنطقة الوحيدة التي تعاني من هذه الظاهرة، حيث ينضم إليها المزيد من المناطق التي تعاني الكائنات التي تعيش فيها من الديبوكسيا، أي نقص كمية الأوكسيجين التي تصل إلى أنسجة الكائنات البحرية التي تعيش فيها. وتعرف هذه المناطق أيضا باسم المناطق المستنفذة الأوكسيجين أو Oxygen Depleted Area. وتشير الإحصائيات التي تضمنها التقرير الذي نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في شهر مارس الماضي، إلى أن عدد تلك المناطق قد وصل إلى 146 منطقة عام 2000، وأن أكثر المناطق المعرضة للخطر هي مصايد الأسماك الساحلية القريبة من المدن الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم.
والمناطق الميتة توجد عادة بالقرب من سواحل المدن أو الدول التي تعاني من الاكتظاظ السكاني. والسبب الحقيقي في ظهورها هو انتشار النتروجين الناتج عن سكب الأسمدة النتروجينية، ومياه الصرف الصحي، والرواسب النتروجينية المتبقية من احتراق أنواع الوقود الأحفوري في الماء. وبعض المناطق تظل مستنفدة الهيدروجين على مدار العام، أما في مناطق أخرى فتظهر المشكلة بشكل دوري. وفي الجزء الشمالي من خليج المكسيك، تؤدي زيادة نسبة النتروجين مقرونة بجو الصيف الساكن الريح، إلى وجود طبقة مائية سفلية فقيرة بالأوكسيجين. والعملية تتم على هذا النحو: في الطبقات العليا من الماء يقوم النتروجين، تساعده في ذلك الشمس، بتغذية الهوائم الحيوانية التي يطلق عليها اسم Phytoplankton، والتي تنمو بسرعة، ثم تموت وتهبط إلى القاع. وأثناء تحلل تلك الهوائم الحيوانية، تقوم باستهلاك الأوكسجين الموجود في القيعان. وهذه الدورة التي يطلق عليها دورة النمو المفرط للطحالب والبكتيريا وهي التي تعيش على الأوكسيجين Eutrophication والتي تقوم باستنفاد الأوكسيجين الموجود في مياه القيعان المنعزلة.
وكان عام 2002 واحدا من أسوأ الأعوام التي عانت من تفشي تلك الظاهرة، منذ أن تم البدء بتوثيقها لأول مرة في عقد السبعينيات من القرن الماضي. وتشير الإحصائيات إلى أن مساحة المناطق التي تعاني من نفاد الأوكسيجين قد وصلت إلى 7700 ميل مربع. وعلى رغم حجمها الكبير، فإن المشكلة لا تزال مخفية عن الأنظار إلى حد كبير.
ويتنبأ العلماء بأن هذه المشكلة سوف تزداد عددا وتنتشر في مختلف أنحاء المعمورة مع تنامي أعداد السكان. فمع زيادة عدد السكان سوف تتفاقم أيضا ظاهرة النمو المفرط للطحالب والبكتيريا التي تقوم باستهلاك الأوكسجين الموجود في القيعان، مما يؤدي إلى نفاده بحلول عام 2050. وهذه الظاهرة سوف تزداد في المناطق الساحلية بشكل خاص كما تشير إلى ذلك دراسة أجريت عام 2001، وتم نشرها في مجلة العلوم Science Magazine.
ويقول الأستاذ روبرت هوارث أستاذ البيولوجيا البيئية بجامعة كورنيل في إيثاكا – نيويورك: إن تنامي المناطق المائية الموجودة في قيعان البحار التي تعاني من استنفاد الأوكسجين يرتبط ارتباطا وثيقا بالزيادة في استخدام الأسمدة ذات الأساس النيتروجيني. ويشير الدكتور هوارث إلى نقطة مهمة في هذا الصدد، وهي أن نصف كمية الأسمدة التي استخدمت عبر التاريخ، قد تم استخدامها خلال الخمسة عشر عاما الماضية فقط.
مع ذلك، هناك أخبار طيبة في هذا السياق هي أن معدل الزيادة في استهلاك الأسمدة النتروجينية، قد تناقص مقارنة بما كان عليه الأمر منذ عدة سنوات. حيث تشير الإحصائيات إلى أن استهلاك تلك الأسمدة قد ارتفع بشكل طفيف (من 79 مليون طن إلى 82 مليون طن فقط) خلال العقد الماضي بأكمله.
وبعض العلماء يختلفون مع الآراء السابقة، ويقولون إن الزيادة في استخدام الأسمدة النتروجينية، يجب أن يمضي عليها بعض الوقت حتى تكون لديها القدرة على التأثير في الأنظمة الأيكولوجية البحرية في المناطق الساحلية .
وعلى صعيد متصل تقوم صناعة الأسمدة في الولايات المتحدة بالتعاون مع المزارعين، من أجل تحقيق هدف تقليص كمية الأسمدة النيتروجينية المستخدمة في الزراعة، والتي تتسرب في النهاية إلى مياه الخلجان والبحار وتؤدي إلى التأثير على البيئات البحرية. علاوة على ذلك نجد أن الضغوط التي مارستها وكالة حماية البيئة في تسعينيات القرن الماضي على مصانع الأسمدة، قد دفعت أصحاب تلك المصانع في اتجاه البحث عن تقنيات جديدة. فتقنية تحديد الموضع في أي مكان من العالم بواسطة الأقمار الاصطناعية، مقرونة بوضع أدوات رش للأسمدة على الجرارات الزراعية يمكن التحكم عن طريقها في كمية الأسمدة التي يتم رشها، سيمكناننا من الدخول إلى ما يطلق عليه علماء الزراعة (عصر الزراعة الدقيقة) أو Precision Farming وهو