··· جنوح الأطراف السودانية المتقاتلة إلى السلم والتعايش ونبذ العنف والإحتراب اللذين لا طائل من ورائهما ، يثبت صحة وعقلانية ما ظلت تدعو إليه دولة الإمارات منذ اندلاع الأزمة واشتدادها في أوائل تسعينيات القرن الماضي ، بأن لا بديل عن طاولة التفاوض والحوار والنقاش لحل الخلافات بين الأشقاء وحتى بين الأعداء ، باعتبارها المكان الأمثل لبذر بذور السلام ، ووضع أسس جسور الثقة والتفاهم والمحبة بين بني البشر مهما اختلفت توجهاتهم وتباينت آ راؤهم ، ولعل أبلغ دليل على ذلك ما انتهت إليه المفاوضات الماراثونية على ضفاف بحيرة نيفاشا في كينيا من نهاية سعيدة تكللت باتفاق شامل للسلام سيمهر اليوم في القصر الرئاسي بنيروبي بتوقيعي النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه ورئيس الحركة الشعبية العقيد جون قرنق ، وفي حضور عربي ودولي ليكون شاهدا على نهاية أطول حرب أهلية في القارة الأفريقية ·
ما تحقق في نيفاشا هو إنجاز القرن بالنسبة للشعب السوداني الذي لم يهنأ بالاستقرار والتنمية منذ نيله استقلاله الوطني في عام 6591 ، إذ انفتق جرح الجنوب وظل ينزف ويستنزف جميع القوى باستثناء فترة هدوء قصيرة تلت التوقيع على اتفاقية أديس أبابا عام 1972 التي لم تعمر طويلا فسرعان ما انهارت واستؤنفت الحرب بضراوة وشراسة وامتدت إلى مناطق أخرى في البلاد ظلت بمأمن منها ، فاهلكت الزرع والضرع وخلفت أسوأ مأساة إنسانية في تاريخ السودان ، وهددت وحدته وطنا وشعبا ، فأيقن الجميع بعبثية الحرب وبعدم جدواها في تحقيق أي هدف ، فعدلت عن طريق الحرب إلى سبيل المفاوضات لتحقق بالسلم في زمن قصير ما عجزت عن تحقيقه بالحرب في سنوات ، وهذا بدوره يدحض مزاعم المنادين بالحرب بصورة كلية ، ويعزز صدقية مواقف الداعين إلى السلم من أنه السبيل الأوحد لحل أي خلاف مهما تعقد وطال أمده ·
وباكتمال التوقيع على بروتوكولات اتفاق السلام الشامل فإن السودان بات على موعد مع استحقاقات مرحلة جديدة لا وجود فيها إلا للبندقية التي تحمي السلام وتصون أركانه ، لتنفتح ميادين التنافس والتسابق أمام بنيه لخدمة الوطن بكل ما يملكون من رأي وخبرة من أجل تعويض مواطنيهم عما لحقهم من ضرر بليغ جراء الحرب الأهلية في الجنوب ، والتي تغلق الآن آخر فصولها وإلى غير رجعة بإذن الله تعالى ·