أعلن ثلاثة من كبار خبراء البصمات في مكتب التحقيقات الفيدرالي هذا العام، أن بصمات المحامي براندون ميفيلد من ولاية أوريجون، قد تطابقت جزئيا مع بصمات أخرى، عثر عليها في حقيبة مليئة بالمتفجرات، في العاصمة الإسبانية مدريد. وسرعان ما وصف المسؤولون ذلك بأنه دليل قاطع على تورطه، فتم إلقاء القبض عليه بناءً على ذلك الدليل المادي الذي توفر ضده. لكن وفي الأسبوع الماضي، أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه كان مخطئا، وقال إن البصمات المعنية، إنما تعود إلى مواطن جزائري! كما نعلم، فقد ظلت البصمات منذ مدة طويلة، من الأدلة والبينات القانونية المستخدمة في الإثبات، بما لا يقبل الرد أو الشك. وتعد دليلا من القوة، بحيث تعتمد عليها المحاكم لإدانة المتهمين، حتى في حالة عدم توفر أي دليل آخر غيرها ضد المتهم المعين.
لكن وبما أن ثلاثة من أرفع خبراء مكتب التحقيقات الفيدرالي، قد أخفقوا في تحديد صاحب البصمات المذكورة أعلاه، فإن من الواجب أن نعيد النظر الآن في كل هذه القوة القانونية الممنوحة للبصمات، وكأنها الحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه! الأهم من ذلك، أن حالة المحامي المذكور، لم تكن هي الحالة الأولى ولا الثانية، التي يحدث فيها خطأ والتباس كهذا، خلال الشهور القليلة الماضية. نذكر هنا أن محكمة استئناف في ولاية ماساشوستس، كانت قد رفضت حكما صادرا بإدانة متهم، بحجة عدم تطابق البصمات المرفوعة ضده مع بصمات مشتبه به. والكارثة أن تلك البصمات، كانت الدليل الأساسي الذي أقيمت عليه الدعوى القضائية!
كل هذه الحالات تكشف حقيقة واحدة مشتركة، ألا وهي مدى تخلف علم البصمات في بلادنا. وضمن ذلك التخلف، فنحن نفتقر إلى الوسيلة العلمية التي تمكننا من معرفة عدد المرات التي أخفق فيها الخبراء، أو تكررت فيها أخطاؤهم في عملية التعرف على البصمات التي يجري فحصها. وضمنها أيضا أنه لا يوجد معيار يعتمد ويعول عليه، في تقرير ما إذا كانت البصمات موضوع الفحص متطابقة أم لا. وعليه فإن قول الخبراء بصحة وتطابق البصمات التي يجري فحصها واختبارها، بنسبة 100 في المئة، إنما يثار حوله كثير من الشكوك، المستندة إلى تكرار حدوث الأخطاء في جرائم واتهامات كبيرة وخطيرة، كما هو حال محامي ولاية أوريجون الذي تحدثنا عنه آنفا في صدر هذا المقال. فهل هناك من تهمة أخطر في عالمنا هذا، عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، من توجيه تهمة المشاركة في عمل إرهابي، مثل ذلك الذي وقع في العاصمة الإسبانية مدريد؟
في حالة المحامي ميفيلد، كان الخبراء في مكتب التحقيقات الفيدرالي، قد حددوا خمس عشرة نقطة تشابه، بين بصمات المحامي والبصمات التي عثر عليها في الحقيبة المذكورة. وحتى الخبراء الأسبان، المتشككون في صحة ما قاله زملاؤهم الأميركيون عن تطابق بين البصمات، عثروا بدورهم، على ثماني نقاط تدعم صحة ما ذهب إليه الخبراء الأميركيون. المعروف اليوم داخل الولايات المتحدة، أنه لا أحد يهتم بإحصاء نقاط التشابه بين البصمات المفحوصة، لتحديد مدى درجة تطابقها مع البصمات موضع الشك والاتهام. والذي يحدث عادة هو اعتماد الخبراء على عدد أقل من ثماني نقاط، كدليل كاف لتجريم المتهم وإدانته. ثم إن هناك عدة معايير يتخذها ويعتمد عليها خبراء البصمات والهيئات القضائية، تبعا للتفاوت والاختلاف في إجراءات الاتهام والإثبات بين المحاكم الولائية المختلفة. والمشكلة أن القضاة تنازلوا عن واجب تعريف "التطابق" وتخلوا عنه بالكامل كي يحدده الخبراء أنفسهم. صحيح أن محامي وموكلي الدفاع، قد تصدوا خلال السنوات الأخيرة لبينة البصمة، وطعنوا في صحة الكثير منها، إلا أن العرف الجاري فعليا هو تجاهل عدد كبير من القضاة والمحلفين لسياق الشك العام الذي يثيره تكرار هذه الطعون المقدمة، وكأن الحالة المطعون فيها، هي مجرد حالة استثنائية خاصة وقاصرة على قضية واحدة منعزلة. بيد أن الذي حدث للمحامي ميفيلد مؤخرا، وإدراج اسمه ضمن متهمي تفجيرات مدريد الإرهابية، كفيل بأن يفتح الآذان والعيون، ويوقظ القضاة النائمين من سباتهم العميق، وتجاهلهم للخطر الذي ربما يتعرض له الكثير من الأبرياء، نتيجة لأخطاء وجرائم، لم يرتكبوها بحق أحد.
ولدى إجراء مقارنة موجزة وسريعة بين دليل البصمة ودليل الحمض النووي، نلحظ أن الأول ليس له سجل إحصائي مضبوط، مثلما هو عليه حال الحمض النووي. وحتى في حال قبولنا للفرضية المشكوك فيها وغير المثبتة حتى الآن، بأن بصمات كل واحد منا، تعد فريدة وغير متكررة حين نفحصها في مستوى معين من مستويات الفحص التفصيلي، يبقى هناك سؤال ملح قائم: كم هو عدد الحالات التي يتكرر فيها التشابه المذهل، بين بصمتي شخصين مختلفين، إلى درجة تحمل خبراء تحليل البصمة، على الاعتقاد بأن البصمة موضوع الفحص، إنما تعود إلى شخص واحد وليس إلى اثنين؟ هذا هو ما حدث في عدة حالات، كان آخرها حالة المحامي ميفيلد.
وتزداد المشكلة تعقيدا وسوءا في حال إجراء الفحص لبصمات جزئية، مثل تلك التي أخذت من مسارح الجريمة وا