لقد ذهبنا إلى الحرب على العراق في الأصل كي ندمر مخزونه من أسلحة الدمار الشامل كما قالت لنا الإدارة قبل أن تقوم بشن تلك الحرب، ولكن ما تبين لنا خلال كل تلك الشهور التي مضت منذ ذلك الحين هو أن تلك الأسلحة لا وجود لها.
وفي حديثة أمام كلية الحرب الأسبوع الماضي لوحظ أن بوش قد تجاهل الإشارة إلى موضوع أسلحة الدمار الشامل كلية، كما تجاهل أيضا الإشارة إلى رغبته التي كان دائم التعبير عنها في كل خطبه وهي الإطاحة بصدام حسين.
في النسخة المعدلة من خطاب بوش أصبح الرئيس يقول لنا إننا قد ذهبنا إلى الحرب من أجل الدفاع عن أمننا القومي، ولكنه عندما يقول ذلك فإنه يضعنا في الوقت نفسه أمام سؤال آخر منطقي يتعين علينا الإجابة عليه وهو: من أين سيأتي التهديد في الأصل إذا لم تكن هناك أسلحة دمار شامل؟ أم أننا قمنا بخلق خطر جديد في سياق سعينا للقضاء على خطر آخر لم يكن موجودا في البداية؟
إن المشكلة مع الحرب التي نخوضها حاليا في العراق هي أنها تنتهك المبادئ التي حددها البنتاجون لشن الحروب بعد انتهاء حرب فيتنام في ستينيات القرن الماضي. ومن أهم تلك المبادئ: الحاجة إلى الوضوح، وإلى وجود أهداف محددة واستراتيجية خروج، وتخطيط، وموارد يمكن بها مواجهة أكلاف تلك الحرب والحاجة في النهاية إلى حلفاء يقفون إلى جانبنا. وهذه المتطلبات إذا ما أمعنا النظر فيها، سنجد أنها تصب في النهاية في الهدف الخاص بتعزيز وترسيخ القيم الأميركية. ولذلك فإننا عندما نبدأ في تقديم التنازلات بشأن تلك المبادئ، وبشأن المعايير الخاصة بسلوكنا الشخصي والوطني، فإن معنى ذلك أننا سنتحول تدريجيا لنصبح شيئا أكثر شبها مع العدو الذي نحاربه وأقل شبها بذاتنا السابقة.
لقد عبر "شكسبير" خير تعبير عن هذه الفكرة حينما قال مخاطبا "بولونيوس" في رائعته الخالدة (هاملت):( فلتضع هذه النصيحة فوق كافة النصائح الأخرى: عليك أن تكون صادقا مع نفسك من أجل نفسك وليس من أجل أحد آخر... ويجب أن يتوالى هذا الصدق مع النفس كما يتوالى الليل والنهار كي يتحول إلى عادة راسخة لديك وعندما يحدث ذلك ويصبح هذا الصدق بمثابة عادة ملازمة، فإنك لن تستطيع أن تتعامل مع أي أحد بوجه زائف...).
إن فضيحة سجن أبوغريب هي آخر دليل توافر لدينا على أننا لم نكن صادقين مع أنفسنا، ومن ضمن النتائج الخطرة لذلك الموقف إمكانية أن نتحول تدريجيا كما قلت أعلاه كي نكتسب السمات نفسها التي كان يتصف بها أعداؤنا.
ويذكر في هذا الصدد أن مسؤولا أميركيا كبيرا في العراق قد أدلى مؤخرا بتصريح لصحيفة "واشنطن بوست" مشترطا عدم ذكر اسمه قال فيه:"إننا نفعل الآن ما كان يفعله صدام".
علينا أيضا أن نسأل أنفسنا سؤالا آخر هو: هل نحن صادقون مع أنفسنا في الحرب الأوسع نطاقا التي تدور ضد الإرهاب؟ لا أهدف من هذا السؤال إلى القول إننا يجب أن نتوقف عن تلك الحرب، وإنما إلى التنبيه بأننا يجب ألا نغالي في أهدافنا. في الخطاب نفسه، بل الحقيقة في الفقرة نفسها من خطابه أمام كلية الحرب، قال الرئيس إننا قد أرسلنا جنودنا إلى العراق من أجل الدفاع عن أمننا القومي، كما قال في موضع آخر إننا قد أرسلنا جنودنا إلى العراق من أجل "تحرير شعبه". علينا أن نعترف هنا أن الأمن الأميركي وحرية العراق موضوعان غير مرتبطين ببعضهما بعضاً. بل ويمكننا أن نقول أيضا إن حرية العراق تبدو شيئا بعيد المنال في ضوء السياسة الأميركية الحالية.
سوف تحاول الإدارة أن تجعلنا نصدق أن جذور فضيحة أبوغريب تكمن في مجموعة من الجنود المنخفضي الرتبة، الذين لم يتلقوا تدريبا كافيا، ولم يخضعوا لإشراف مناسب. وهذه الحجة لا تحدد من هي الجهة المسؤولة عن عدم تدريبهم والإشراف عليهم بشكل كاف ومناسب، ولا إلى أي مستوى من المستويات العليا في سلم الرتب العسكرية تمتد مثل تلك المسؤولية.
نحن نعرف أن هناك في البيت الأبيض موقفاً لا مبالياً تجاه اتفاقيات جنيف التي تنظم معاملة المساجين. وفي الحقيقة إن موقف البيت الأبيض حيال تلك الاتفاقيات يمثل نموذجا للتخلي عن القيم الأميركية تحت مسمى الواقعية. بيد أنه يجب أن نعرف أننا عندما نتخلى عن تلك الاتفاقيات، فإننا نتخلى في الوقت نفسه عن حقوق الحماية التي يجب أن تتوافر للأميركيين المساجين.
مع سقوط الاتحاد السوفيتي منذ 15 عاما، أصبحت الولايات المتحدة هي أقوى دولة في العالم، والدولة التي لا يستطيع أحد أن يجرؤ على تحديها.
ومنذ ذلك الحين ظللنا نضيف إلى تلك القوة من أجل القوة في حد ذاتها وليس من أجل القيام بالدفاع عن أنفسنا أمام عدو أو القيام بغزو أراضيه. لقد أصبحنا قادرين على تحطيم أي شيء ولكننا لم نتعلم كيف نستخدم قوتنا لتحقيق غايات بناءه.
إن ما نتعلمه الآن على أرض العراق هو أن الحرية والديمقراطية لا يمكن فرضهما بالقوة، وإنما يجب أن يأتيا بشكل طبيعي.
ويمكن تسهيل الحصول على الحرية والديمقراطية من خلال ما يطلق عليه "جوزيف ناي" الأستاذ بجامعة هارفارد والمساعد السابق لوزير الدفاع اسم (القوة اللينة)