يمكن تلخيص المشكلة البيئية الرئيسة التي تواجه العالم حاليا بشكل مبسط بالقول إن الزيادة المستمرة للسكان في هذا العالم تشكل ضغطا كبيرا، وتضع مطالب باهظة على الموارد الطبيعية التي تمثل الضمانة الأكيدة لبقاء واستمرار البشرية. ولتوضيح ذلك يقوم المؤلفان بالعودة إلى التاريخ ويقولان إنه إذا ما أخذنا مدينة (نينوى) عاصمة الإمبراطورية الآشورية القديمة في بلاد الرافدين كمثال، فإننا سنجد أن تلك المدينة التي كانت مقرا لحضارة عظيمة، قد وصلت في الأيام الأخيرة من عمر تلك الحضارة، إلى نقطة بدت عندها كمدينة قد قضت على نفسها بيدها وذلك بسبب الاستهلاك المبالغ فيه، والبذخ المفرط، والعادات الخطيرة، التي كانت سائدة فيها، والتي نعاني في الوقت الراهن من عادات شبيهة بها. هذا هو المنظور الذي يتبعه الكتاب الذي نقوم بشرحه في هذه المساحة وعنوانه:(ما حدث في نينوى: السياسة والاستهلاك ومستقبل البشرية) الذي اشترك في تأليفه الزوجان "بول آر. إرليتش" و"آن آر. إرليتش".
وقد يتساءل بعض القراء عن السبب الذي جعل المؤلفين يربطان بين ما حدث منذ آلاف السنين في مدينة نينوى وما يحدث في عالم اليوم، ولا يكتفيان بذلك بل يقومان بوضع اسم المدينة على رأس عنوان الكتاب. في الحقيقة أن المؤلفين قد استقيا هذا العنوان من قصيدة لشاعر الإمبراطورية البريطانية المشهور"روديارد كبلنج" وهي القصيدة المسماة (ترنيمه الانسحاب) والتي يقوم فيها الشاعر بمقارنة الغطرسة والغرور اللذين كانت الإمبراطورية البريطانية تتصرف بهما في القرن التاسع عشر، مع المجد الغابر لمدينة نينوى.
وفي الكتاب أيضا يقوم المؤلفان وهما كما قلنا زوجان يعملان في إدارة "ستانفورد" للعلوم البيولوجية، بالنظر إلى المشكلات العالمية العديدة التي نواجهها في العصر الراهن، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تلك المتعلقة بالتضخم السكاني، والاستهلاك المفرط، وغياب العدالة السياسية والاقتصادية، والتي يرى المؤلفان أنها مشكلات تهدد العالم بمصير يشابه ذلك الذي لاقته مدينة نينوى القديمة. ويقوم المؤلفان بعد ذلك، وفي كل فصل من فصول الكتاب التسعة، بتحليل كل مجال من المجالات التالية بالتفصيل: البيئة، والسكان، والهجرة، والاقتصاد، والتنوع الحيوي، والأخلاق، والمناخ، والسياسة والعولمة. وبعد أن يقوم المؤلفان بذلك، يقومان أيضا باقتراح الأساليب والإجراءات التي تتيح الفرصة للبشرية بشكل عام، وللقوة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم بشكل خاص، للقيام بتغيير مسارها والعمل من أجل مصلحة عالم يقوم على أساس من التنمية المستدامة. وفي الحقيقة أن محاولة التكهن بما ستكون عليه الأمور في المستقبل، اعتمادا على ما لحق بالبيئة من تدمير خلال السنوات القليلة الماضية، يقود في معظم الأحيان إلى الشعور بالاكتئاب. فمن أمثلة ذلك التدمير البيئي على سبيل المثال، أن ثلاثة أخماس المخزون من الأسماك البحرية قد تم استنزافه على نحو خطير منذ عام 1994، وأن عدد سكان العالم الذي وصل اليوم إلى ستة مليارات نسمة، يزيد بمقدار ثلاث مرات عن العدد الذي يعتبره الزوجان "إرليتش" مثاليا. ويقول المؤلفان أيضا إن الاستهلاك المفرط يهددُ باستنزاف جميع المصادر الطبيعية غير القابلة للتجدد كالنفط مثلا، في الوقت نفسه الذي تقوم فيه حكومات الدول المختلفة بتقييد استخدام الطاقات الطبيعية القابلة للتجدد مثل الطاقة الشمسية. وقد نالت الإدارة الأميركية نصيبا كبيرا من النقد الذي وجهه المؤلفان للحكومات المختلفة، وخصوصا فيما يتعلق بقيامها بالتشجيع على سيادة ثقافة تقوم على الجشع القصير النظر. ويقوم المؤلفان أيضا بتوجيه سهام نقدهما إلى بعض الحكومات الأوروبية، وإلى عدد كبير من حكومات دول العالم الثالث، التي وصل التدمير البيئي بها كما يقولان إلى حدود كارثية. وفي الفصل الأخير من الكتاب يتبنى المؤلفان الفلسفة التي سبق وأن تبناها من قبل "مارتن لوثر كنج الابن"، لكي يدللا على أن المثالية والعمل الفردي لازالا قادرين حتى الآن على إنقاذ العالم من كارثة بيئية هائلة.
وقد تعرض الكتاب إلى نقد حاد من بعض النقاد الذين يقولون إن التنبؤات التي تبناها المؤلفان في كتابهما السابق المعنون (خيانة العلم والمنطق) لم تتحقق، وأن الفرضيات التي أورداها في ذلك الكتاب، قد ثبت خطأ معظمها، ومنها على سبيل المثال تلك الخاصة بحدوث مجاعة في سبعينيات القرن الماضي، وحدوث نقص هائل في السلع المطلوبة للاستهلاك البشري في الثمانينيات من القرن نفسه. ومن ضمن المآخذ التي يأخذها هؤلاء النقاد على المؤلفين أن الرسالة الخاصة بالمصير المحتوم للبيئة التي يريدان توصيلها إلى القراء، لم تتأثر على ما يبدو بفشلهما في إثبات صحة تنبؤاتهما السابقة، وأن الحلول التي يقترحانها لم تتعلم شيئا من قصة نجاح اقتصادات السوق. ويذهب نقاد آخرون إلى القول إن كون المؤلفين متخصصين في العلوم البيولوجية، ليس كافيا في حد ذاته كي يقوما بتناول هذا الطيف الواسع من الموضوعات التي تطرقا إليها في كتاب