المؤتمر الوزاري الاستثنائي الذي تعقده منظمة الدول المصدرة للبترول ''أوبك'' في بيروت اليوم في وقت تشهد فيه أسواق هذه المادة الحيوية اضطرابا وقلقا انعكس صعودا في الأسعار إلى مستويات قياسية لم تشهدها منذ 12 عاما ، قد لا يأتي بالحل المنشود والمرضي للمنتجين والمستهلكين على حد سواء ، طالما أن مؤشر أسعار النفط يظل مرتبطا بالتطورات السياسية التي لا تستقر على حال ، حيث تتقاذفها التقلبات حتى خلال ساعات اليوم الواحد.
أسواق النفط ، وعلى حد قول مصدر من أوبك ، تشتري الشائعات وتبيع الحقائق ، وأن المنظمة قد تصبح لا حيلة لها في وقف ارتفاع الأسعار مجددا ، مهما بذلت من إجراءات لتهدئة مخاوف الأسواق التي أصبحت المعيار والميزان الحقيقي للتقلبات والمفاجآت في عالم السياسة العاصف والمضطرب بطبعه ، فالدول المستهلكة وخاصة الشرهة وتلك التي لا تشبع ، لن ترضى عن أوبك حتى ولو ''لينت الصخر وقبحت القمر'' ، فهي تريدها من غير أجنحة ومخالب ، عاجزة عن الدفاع عن مصالح الدول الأعضاء وسائر المنتجين ، تضخ نفوطها بغير حساب ، وترضى بأبخس الأثمان لهذه السلعة الاستراتيجية ، التي لاتزال المحرك الرئيسي لمنجزات الحضارة البشرية منذ الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر.
إن المسؤول عن اختلال العرض والطلب والفوضى السعرية في سوق النفط ليس المنتجون وحدهم ، فهناك عدد من المستهلكين يخزنون من النفط أكثر مما يستهلكون ، وآخرون يستوردونه لا ليستهلكوه وإنما ليبيعوه إلى أسواق أخرى تقوم بالمضاربة فيه ، والبيع الآجل إلى آخرين لا يقدرون على الدفع الفوري ، بينما يعمل البعض الآخر على إشاعة الفوضى في السوق بنشر الشائعات وإطلاق الأخبار الكاذبة وذلك لغاية في نفس يعقوب ·
ولعل التصريحات التي أدلى بها معالي عبيد بن سيف الناصري وزير النفط والثروة المعدنية أمس والخاصة برفع سقف إنتاج الإمارات بنحو 400 ألف برميل يوميا تؤكد الرؤية الواضحة للدولة ، ومن ثم لأوبك باعتبارها عضوا فيها تجاه السياسة النفطية في العالم والتي تحافظ على توازن المصالح بين المنتجين والمستهلكين على حد سواء ، وكذلك فإن أي قرار تتخذه الدولة سواء بخفض أو رفع سقف الإنتاج ينبع فقط من رؤيتها وفق ما تراه مناسبا وبما يعود بالنفع على الاقتصاد المحلي ، وليس لتعرضها لضغوط من الدول المستهلكة ·
وفي النهاية ، نجد أن شبه الإجماع على ضرورة رفع إنتاج المنظمة بنهاية الشهر الجاري ، سيكون بمثابة الحل الأخير لأوبك للحد من ارتفاع الأسعار ، ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة العمل بالطاقة القصوى للإنتاج لكافة الدول المنتجة ، وهو ما يعني أن أوبك ستعجز عن إيجاد حلول أخرى إذا ما استمرت الأسعار في الارتفاع ؟!.