يحسن الكونجرس والمؤسسة العسكرية الأميركية صنعا عندما يقومان بإجراء تحقيقات جدية بشأن الانتهاكات السابقة التي حدثت في سجن أبو غريب وغيره من مراكز الاعتقال التي تديرها الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم.
بيد أن مجرد التحقيق في الانتهاكات السابقة لا يكفي. فالكونجرس الأميركي والرئيس بوش محتاجان أيضا إلى القيام بإعلان إستراتيجية واضحة تقوم على عدم التسامح على الإطلاق مع حالات التعذيب، ثم العمل بعد ذلك على تنفيذ تلك الاستراتيجية بأساليب يمكن التحقق منها. وهناك عدد من الأسباب التي تبرر الحاجة إلى هذه الاستراتيجية الواضحة التي يجب أن يتم تبنيها على أعلى المستويات، والتي يمكننا بيانها على النحو التالي:
أولا: إن أية إشارة إلى أن التعذيب أو الإساءة الجسدية أو الذهنية للمعتقلين يمكن التسامح معها أو التغاضي عنها في المستويات العليا، تمثل منزلقا خطيرا قد يغري منفذي السياسة في جميع المستويات بـ(تطوير النظام) قليلا. في هذا الخصوص يمكن القول إن التصريح الأصلي الذي أدلى به مسؤولو الإدارة الأميركية، والذي قالوا فيه إن المعتقلين في جوانتانامو لن يتمتعوا بالضمانات التي توفرها اتفاقيات جنيف، قد فتح الباب للممارسات الانتهاكية التي حدثت هناك، والتي تم تصديرها فيما بعد إلى سجون العراق بما فيها أبوغريب، بل وتم أيضا تصديرها إلى أفغانستان التي وردت مؤخرا أنباء عن حدوث ممارسات مماثلة بها أيضا.
وكانت إسرائيل مكانا آخر ثبت من الأدلة المتوافرة أن ذلك المنزلق الخطر قد بدأ يفعل فعله فيه أيضا. ففي إسرائيل وصل الحال إلى حد أن المحاكم قد سمحت صراحة باستخدام قدر معقول من الضغط البدني (في الحالات التي يمكن أن يؤدي فيها مثل ذلك الضغط البدني إلى استخلاص معلومات عن قنبلة على وشك الانفجار وإنقاذ حياة أشخاص من الموت).
وصدور إعلان واضح من قبل الرئيس بوش بأنه لن يتم التسامح مع أية صورة من صور التعذيب أو الانتهاك البدني سواء تم عن طريق موظفي الولايات المتحدة أو المقاولين المتعاملين معها، هو الطريقة الوحيدة اليوم التي يمكن بها للحكومة الأميركية أن تحزم أمرها و تنأى بنفسها بعيدا عن هذا المنزلق الخطير.
ثانيا: إعلان سياسة واضحة تقوم على عدم التسامح مطلقا مع التعذيب والانتهاكات البدنية والنفسية، والعمل على تنفيذ تلك السياسة بأساليب يمكن التحقق منها، يعتبر أقل استجابة يمكن لواشنطن أن تقوم بها إزاء الإعلان عن الانتهاكات السابقة.
إن الحرب على الإرهاب العالمي لا يمكن كسبها سوى عن طريق حشد تحالف دولي واسع، والإبقاء على ذلك التحالف قائما لأطول فترة ممكنة. وإذا ما واصلت واشنطن أسلوبها في السماح ببعض أشكال الضغط النفسي والبدني، أو رفضت تطبيق بنود اتفاقيات جنيف بالنسبة لبعض المعتقلين، فإن ذلك سوف يحد من فاعلية الحملة التي تقوم بشنها على الإرهاب العالمي بشكل خطير.
وخبراء الاستخبارات بشكل عام لا يمنحون سوى مصداقية قليلة للغاية للمعلومات التي يتم استخلاصها تحت الضغط والإكراه. في الوقت نفسه فإن القيام بتأييد ودعم صلاحية اتفاقيات جنيف، يمنح الولايات المتحدة أفضل فرصة ممكنة لضمان أن جنودها العاملين سيتلقون معاملة مقبولة إذا ما وقعوا في أيدي قوات معادية.
ثالثا: إن الولايات المتحدة ملتزمة تعاقديا بمنع، والحيلولة دون، وقوع أي نوع من أنواع التعذيب والانتهاكات للمعتقلين في سجونها أو في سجون تشرف عليها وتقع في أي مكان في العالم. ففي عام 1955 صادق مجلس الشيوخ الأميركي على اتفاقيات جنيف التي تمنع القيام بممارسة التعذيب أو تعريض المعتقلين لأي معاملة قاسية، أو مذلة، أو مهينة. وفي عام 1994، قام مجلس الشيوخ أيضا بالمصادقة على الاتفاقية الدولية ضد التعذيب، التي تلزم الولايات المتحدة بمنع أعمال التعذيب (في أية أراض تقع تحت سلطتها ونفوذها). وهذه الاتفاقية تصف التعذيب بأنه (أي عمل يتم عن قصد من قبل أي مسؤول حكومي، أو متعهد ضد شخص ما، ويؤدي إلى التسبب في تعرض مثل هذا الشخص إلى ألم أو معاناة شديدة، سواء كانت بدنية أو ذهنية أو نفسيه، وهو العمل الذي تتم ممارسته أيضا لأسباب أخرى منها الحصول على المعلومات أو الاعترافات، أو معاقبة الشخص المعني، أو إرهابه أو قهره).
رابعا: من المرجح أن يقوم الأميركيون بتأييد رئيسهم في تبني موقف واضح ضد التعذيب. ويذكر هنا أنه قد تبين من خلال استطلاع للرأي تم إجراؤه بواسطة صحيفة الواشنطن بوست ومحطة آيه بي سي نيوز الأميركيتين أن 64 في المئة ممن شاركوا في ذلك الاستطلاع، يرون أن التعذيب ممارسة (غير مقبولة على الإطلاق)، حتى عندما تتم ممارستها ضد الأشخاص الذين يشتبه في تورطهم في الهجمات التي تقع ضد القوات الأميركية في العراق أو في أفغانستان. كما وصف 52 في المئة من المشاركين (الانتهاك الجسدي الذي لا يصل إلى حد التعذيب) بأنه غير مقبول أيضا في مثل تلك الحالات.
إذا ما قام الرئيس بوش بإعلان سياسة تقوم على عدم التسامح على الإطلاق مع التعذيب، وقدم الحجج الت