لقي الخطاب الذي ألقاه آل غور النائب السابق للرئيس الأميركي في نيويورك يوم 26 مايو الماضي، تجاهل الصحافة بوجه عام، حيث كانت أكثر اهتماماً بما كان من الممكن لجون كيري أن يقوله في خطابه يوم الأول من يونيو الجاري حول السياسة الخارجية الأميركية.
وقد كان خطاب آل غور أكثر أهمية بكثير من سعي جون كيري إلى إحاطة نفسه برموز إسقاطات القوة والوطنية الشبيهة بالرئيس بوش. ذلك أن خطاب غور كان بياناً عملياً مشؤوماً أوضح أنه لا يدرك تماماً، هو أو مستشاروه، عمق وانعكاسات الأزمة السياسية والأخلاقية التي تُحكم قبضتها على الولايات المتحدة الأميركية اليوم، وهي الأزمة التي أثارها إنكار إدارة بوش للاعتبارات الأخلاقية في سعيها إلى السيطرة العالمية.
لقد تحدث آل غور بوضوح ومباشرة وانفعالية، وهي كلها عناصر غائبة في واشنطن. وكان في ذلك تصريح غير متوقع ربما يجد مكانه في التاريخ الأميركي، باعتباره محاولة يقوم بها نائب سابق للرئيس الأميركي في سبيل إيقاف المسار التدميري الذي تسير عليه الولايات المتحدة الآن، وهو المسار الذي من الممكن أن يتهدد الحكم الديمقراطي الأميركي نفسه.
إن كاتب هذه السطور ليس مستسلماً للغلو الذي من النادر أن يخدم الجدل الجاد. فمن سوء الطالع أنه ليس من الغلو أن نقول إن المؤسسات الديمقراطية الآن باتت عرضة لضغوط لم يسبق لها مثيل.
ويتجسد الاتهام الأساسي الذي يوجهه آل غور في أن القادة "العنيدين وغير الأكفّاء" الذين يتزعمون الإدارة الأميركية الحالية يقومون بإذلال الأمة الأميركية أمام العالم كله وأمام ضمير الأمة نفسها، وذلك بفعل "الخزي والعار" الذي تجلى في ممارسة التعذيب والاعتقالات التعسفية ورمي الناس في سجون سرّية.
وقد فعل هؤلاء القادة ذلك على رغم الاعتراضات العسكرية، إلى درجة أن بعض الضباط في إدارة المحامين العسكريين قدموا اعتراضات رسمية دستورية كما سعوا إلى إقامة الدعاوى المدنية القانونية ضد ما تمارسه وزارة الدفاع من إساءة لمعاملة السجناء. وقد أيّد الرئيس بوش نفسه، وعلى نحو ضمني، ممارسة تعذيب وقتل السجناء المحتجزين دون وجه حق قانوني، حيث يقول في رسالة خطاب "حالة الاتحاد" الذي ألقاه في مطلع هذه السنة إن الكثيرين من أولئك السجناء المحتجزين في الخارج "ليسوا الآن، كسابق عهدهم، مشكلة للولايات المتحدة وحلفائها".(ها هنا انطلق التصفيق في مبنى الكونغرس).
ويقول آل غور إن "إساءة الإدارة على نحو قذر لاستعمال الحقيقة... وإساءة مسؤولي الإدارة لاستخدام الثقة الموضوعة فيهم، وهو أمر لا يُغتَفر، بعد 11 سبتمبر" هما أمران نابعان من "روح الهيمنة المظلمة نفسها التي قادتهم- وللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة- إلى سجن مواطنين أميركيين دون توجيه أية اتهامات، مع حرمانهم من حق مقابلة محام، ومن حقهم في إبلاغ عائلاتهم، وكذلك من حقهم في معرفة الاتهامات الموجهة إليهم، ومن حقهم في الوصول إلى، والمثول أمام أية محكمة لتقديم استئناف أو مناشدة من أي نوع كان".
وقد حاولت الإدارة الحالية إعاقة إجراء مراجعة قضائية لسياساتها، إضافة إلى تعمدها إعاقة حق الكونغرس في الحصول على معلومات حول سلوكها وكذلك حقه في الإشراف على ذلك السلوك.
في الماضي تم تعطيل أوامر قضائية بالمثول أمام المحكمة إضافة إلى تعطيل محاكم الدفع في الولايات المتحدة. ومن الملحوظ أن ذلك حدث في زمن الحرب الأهلية الأميركية، لكنه لم يحدث من قبل على الإطلاق وفي زمن لم يشهد وجود أزمة داخلية، ولا حين يكون الغرض من الإجراءات الاستثنائية هو زيادة وتعزيز القوة الداخلية لإدارة تبسط هيمنتها على الكونغرس سلفاً.
غير أن الإدارة الأميركية تعمدت إثارة المخاوف من التلاعب بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في شهر نوفمبر المقبل. ذلك أن إمكانية واحتمال إلغاء الانتخابات المقبلة باعتبار أنه إجراء من إجراءات "الطوارئ"، مع فرض الحكم العسكري، هو أمر أثاره في شهر نوفمبر من العام الماضي الجنرال تومي فرانكس في مقابلة أجريت معه وحظيت بقدر كبير من الاهتمام في الأوساط اليمينية.
وأدت سياسات إدارة بوش إلى التحريض على تداول ضباط البنتاغون فيما بينهم لمقالة نشرتها كلية الحرب في عام 1992 وفيها تتناول إمكانية أن يكون مبرراً لضباط "يتمتعون بحس المسؤولية" أن ينفذوا انقلاباً يطيح بنظام الحكم، أي أن الغرض منه هو الإطاحة بإدارة أميركية تتبع سياسات ذات نتائج كارثية على الأمة الأميركية. وقدّم كاتب تلك المقالة الحجج التي تؤكد أنه في حال بدا أن تحقق حالة كتلك هو أمر وشيك، فإنه ينبغي على الضباط ذوي الرتب الرفيعة أن يتخلوا عن واجباتهم التقليدية كعناصر احتياط وأن يطالبوا على نحو استباقي باتخاذ السياسيين المدنيين لإجراء دستوري وذلك من خلال توجيه الاتهامات بالتقصير أو الخيانة في حال اقتضت الضرورة ذلك.
إن هذا النوع من الأمور لم يكن على الإطلاق مسألة خطيرة في الولايات المتحدة قبل الآن. غير أن آل غور يشير في خطابه إلى أن كلاًّ من جوزيف هور