نحن جميعا نعرف الفارق بين الجنود و المرتزقة... أليس كذلك؟.
فالمرتزقة هم (كلاب الحرب) أو "القراصنة" أو حتى (القتلة المستأجرون) الذين يتنازلون عن الراحة التي توفرها الوظيفة الثابتة، ويهجرون حياتهم العائلية كي يشتركوا في حروب غريبة في الخارج من أجل المال أو من أجل المجد أو من أجل مزيج من الاثنين معاً.
أما الجنود فهم أشخاص يخدمون في جيش. وهم أيضا أشخاص فاعلون، وموالون، لا يتبدل ولاؤهم. وهم أيضا أعضاء في مؤسسة عسكرية يضحون بالمباهج التي يتمتع بها باقي البشر ليس من أجل النقود ولا من أجل المجد، ولكن من أجل خير أكبر وأعم. بعبارة أخرى يمكن القول إن المرتزقة يحاربون من أجل الدولارات وأن الجنود يحاربون من أجل تغيير وضع ما.
إن ذلك الجدل القديم حول من هو الجندي ومن هو المرتزق، انتقل إلى ساحة المناقشة التي تدور حول العراق. ربما لا يكون هناك مرتزقة في العراق بالمعنى الدقيق للكلمة، أي بمعنى مرتزقة يستلمون في أيديهم مقابلاً نقدياً كي يحاربوا في معارك التحالف، ولكن ما يحدث هناك هو أن الكثير من مهام الاحتلال مثل أمن المطارات، وواجبات الحراس الشخصيين وغيرها، يتم نقلها إلى شركات أمن خاصة، الأمر الذي أوجد نوعا من التداخل بين عقلية دفتر الشيكات التي يتسم بها الشخص العادي، وبين التزام الجندي بتحقيق أهداف المهمة التي جاء من أجلها.
ولكن ما يحدث في العراق يبين أنه لم يعد هناك في الحقيقة سوى القليل من المعايير التي يمكن من خلالها التمييز ما بين المرتزق وبين الجندي. بل إن ما حدث هو أن الجنود هناك قد تلوثوا بثقافة المرتزقة التي تجعل العلاقة بين الجندي وبين الحرب، ومهمة الاحتلال، علاقة سطحية إلى حد كبير. فهناك أعداد كبيرة من الجنود الأميركيين أصبحت تنظر إلى مهمتها في العراق الآن، على أنها مهمة مؤقتة، وأنها ستكون نقطة جيدة يمكن إضافتها فيما بعد في السيرة الذاتية الخاصة. واللافت للنظر في هذا الصدد هو أن أكثر الجنود الأميركيين شهرة هناك (المجندة جيسيكا لينش) وأكثرهم سوء سمعة (المجندة ليندي إنجلاند) قد اعترفتا بأنهما قد تطوعتا في الجيش ليس من أجل القتال، ولكن من أجل تأمين مستقبل وظيفي جيد بعد الخروج من الجيش.
أما إحساس بقية الجنود بالواجب العسكري فقد فسد نهائيا على ما يبدو، بعد التجارب التي مروا بها في العراق. ففي استطلاع للرأي اشترك فيه 2000 جندي، وتم إجراؤه بواسطة المجلة العسكرية الأميركية المسماة(ستارز آند سترايبس) أي (العلم الأميركي) في نهاية العام الماضي، تبين أن ثلث عدد الجنود الذين اشتركوا في ذلك الاستطلاع قد صنفوا حالتهم المعنوية بأنها تتراوح ما بين المنخفضة والمنخفضة جدا. علاوة على ذلك رأى 49 في المئة من هؤلاء الجنود أنه قد يكون من غير المحتمل، أو من غير المحتمل جدا، الاستمرار في الخدمة في القوات المسلحة بعد استكمال مهمتهم الحالية في العراق.
يدعي الكثيرون أن المشكلة المرتبطة باستخدام الأفراد الخصوصيين في القوات المسلحة تتمثل في احتمال قيامهم بترك العمل والرحيل في أي وقت يجدون فيه أن الأمور تزداد صعوبة. ومع ذلك يتعين علينا القول إن هناك على ما يبدو شيئاً آخر يجبر بعض الجنود على البقاء هناك، بخلاف الخدمة الإجبارية بالطبع.
ويذكر أن القوات المسلحة الأميركية ذاتها قد قامت بالكثير من أجل نشر عقلية المرتزقة تلك. ففي السنة الأخيرة سعت تلك القوات إلى ضم مجندين جدد عن طريق تقديم الخدمة العسكرية على أنها وسيلة من وسائل تحقيق الترقي الشخصي بدلا من كونها التزاما لمدى الحياة بالأمن القومي. فحملات التجنيد كانت تركز على ما سيحصل عليه الأفراد من خلال تطوعهم في الخدمة العسكرية، بدلا من تركيزها على ما يمكنهم أن يقدموه لقواتهم المسلحة وبلدهم.
وفي نهاية تسعينيات القرن الماضي قامت المؤسسة العسكرية الأميركية بتدشين الحملات الإعلانية التي حملت اسم (جيش الجندي الواحد) والتي كانت تقدم الخدمة العسكرية على أنها تجربة جديدة تماما، قادرة على إبراز جوهر شخصية الفرد. ومنذ فترة، قدمت لنا الرقيب أول (كاتريس كلايتون) التي تعمل في إدارة التجنيد العسكري في نيويورك، لمحة عن أساليب التجنيد الحديثة، وذلك عندما أدلت بحديث لصحيفة (يو. إس. توداي) قالت فيه إنها تحاول اجتذاب مجندين جدد من خلال التركيز على المزايا التي سيحصلون عليها بدلا من التركيز على الوطنية.
وقالت الرقيب أول كلايتون إنها شخصيا قد التحقت بالقوات المسلحة: لأنها لم تكن قادرة على تأمين مصاريف الدراسة الخاصة بها، ولم تكن تفكر أبدا حينما قامت بذلك بأية حرب.
إن الرسالة التي أرادت هذه الحملات توصيلها هي أنه ليس هناك شيء خاص بشأن العمل في القوات المسلحة. وأن العمل بها لا يختلف عن العمل في أي مكان آخر من حيث إنه يمكن أن يساعدك على الوصول إلى الكلية أو الحصول على دخل لائق، أو حتى دفعك خطوة إلى الأمام على طريق الحصول على وظيفتك المفضلة في الحياة.
إن العسكريين يبدون حاليا وكأنهم قد تخلوا تماما عن تلك ا