المؤشرات الدولية تدل على ارتفاع أسعار النفط. إلا أن المؤشرات المحلية تدل على وجود أزمة في الميزانية الاتحادية. وهنا تتداخل المحلية بالدولية. وكون الإمارات دولة تعتمد في مدخولها بشكل شبه أساسي على عائدات النفط، فالمفروض ألا تكون هنالك أزمة مالية، بل فائض يزيد على حد 200% على أساس أن سعر برميل النفط قد ارتفع إلى 40 دولاراً عن 23 دولاراً بل وعن اثني عشر دولاراً قياساً مع أسعار البترول قبل أربع سنوات خلت، وهو في أسوأ الأحوال ارتفاع عالٍ، ربما يذكرنا بفترة السبعينيات من القرن الماضي، حينما شهد العالم ذلك السعر الخرافي للنفط، وكانت تلك مرحلة الطفرة التي شهدت بالمقابل ارتفاعاً في مداخيل دول الخليج، وبالتالي ارتفاعاً في متوسط دخل الفرد، مما أدى إلى انفراج اقتصادي وتوفير فرص العيش في ظل ظروف أفضل، وحياة تزايد فيها الاستهلاك. وشعر الإنسان أن الرخاء قادم إليه. وللأهمية التي يحظى بها البترول وتأثيره على حياة الناس، توصي كل القوى الاجتماعية النيرة بأهمية المحافظة على هذه الثروة الناضبة، التي قد تنتهي في يوم من الأيام إذا أسيء استغلالها كما نرى في الحاضر. إلا أن طفرة الحاضر لم تترافق بأي شكل من الأشكال بانتهاء أزمة العجز في ميزانيات الدول النفطية، بل لم يترافق ذلك بأي تحسن ملموس في مستوى معيشة الأفراد على غرار ما حدث في سبعينيات القرن الماضي. بل إن كل المؤشرات تدل على عكس ذلك، حيث تدنت مستويات المعيشة جراء ارتفاع الأسعار التي لم تقابلها زيادة في المداخيل. يحدث كل ذلك دون أن تكون هناك معالجة فعلية لما يحدث، حيث لا توجد جهات رقابية ذات سلطة تشريعية في الدول المنتجة للنفط، سواء في أكثرها أو في أقلها إنتاجاً. إن عقلية القرن الماضي هي التي تتحكم في مصير الثروة القومية أو الوطنية، بل إن بعض الخبثاء في المنطقة يرون أن الأمور المتعلقة بالنفط، تدار كلياً من الخارج وحسب مصالح القوى العالمية، دون أخذ المصالح الوطنية بعين الاعتبار، وهنا تبرز الطامة الكبرى. إذ كيف يتم التحكم بمصير العالم الاقتصادي بقوى عالمية هي طرف في الصراع الدولي، ودون أن يكون لدول المنطقة الحق في القول الفاصل بين مصالحها وتلك المصالح التي تتعارض معها، وخاصة في مجال إنتاج النفط وهو عصب الحياة الاقتصادي في الوقت الراهن!
لقد عاد النفط ليلعب الدور الرئيسي في العالم وكأن أي برميل من النفط يعادل برميلاً من المتفجرات في عالم تزايدت فيه حدة الصراع، بين الحضارة والثقافة التقليدية وبين قوى جديدة، لا تؤمن إلا بالصراع الانتهازي والانتحاري، بين الرؤية المستقبلية للبشرية بمنظور حضاري ذي علاقة بالتطور الإنساني والحضاري، وبين أولئك الذين لا يرون أهمية للتاريخ، بل إن همهم الأساسي هو الحاضر. إنها فلسفة حمقاء، وفي أحسن الحالات هوجاء. إنها جزء من ثقافة الاستهلاك، البعيدة عن العقلية المستنيرة للبشر. إن تلك القوى معادية للحرية وهي تنذر ببروز عهد جديد من العبودية والاضطهاد للبشرية ولكن باسم جديد، أو بأسماء جديدة، تواكب الحضارة الجديدة للألفية الثالثة. إنه عالم يعيش على التناقضات الجديدة في عصر بوش الجديد، الذي شاهد فيه سكان الكرة الأرضية آثار التعذيب على شاشات الأجهزة الإعلامية. في عصر العولمة، وفي ظل هذه السياسة تبدو شعوب الدول المنتجة للبترول بعيدة عن الحصول على فوائده، وإلا فهل يعقل أن يستجدي طالب العلم العون في دولة هي الأغنى من حيث المدخول، إلا أنها الأفقر حينما يكون الحديث في أروقة متخذي القرار الوطني؟. هنا تتشكل كل التناقضات بين الحلم والواقع. هل يعني ذلك أن المعرفة العلمية أصبحت حملاً ثقيلاً على ظهور النخبة. إن المجلس الوطني الاتحادي سيظل كبش الفداء في مناقشة القضايا الاتحادية وخاصة فيما يتعلق بالأمور المالية، بالرغم من أن الدستور حدد في مواده الكيفية التي تعد بها الميزانية ومصادرها ونفقاتها وهو ممثل الأمة. ومن الملاحظات المتكررة دائماً وجود هذه الأزمة في كل مرة تناقش فيها الميزانية الاتحادية . فالنفط سيظل السلعة الاستراتيجية لمواطني دول الخليج، به يرتبط مستقبلهم ورفاههم على المدى المنظور، ولا يغير من واقع الأمر ما صرح به كيري المرشح الديمقراطي لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية من أنه سيعمل من أجل استغناء أميركا عن بترول الخليج، فهذه الاسطوانة قديمة تعود بنا إلى ما قبل ثلاثة عقود حيث طرحت مسألة مصادر الطاقة البديلة عن البترول، والتي بشرت أن عهد البترول قد انتهى، ولكن الأيام أبدت عكس ذلك، فأهمية البترول تزداد يوماً بعد يوم، ومن أجله تجيش الجيوش وتفقد دول استقلالها. ولكن من أسوأ ما يمكن أن يتعرض له إنسان هذه المنطقة هو أن يدفع ثمن وجود هذه السلعة الاستراتيجية في أرضه غالياً، دون أن ينال من البترول الرفاهية والحياة الكريمة التي علل بها نفسه عندما تم اكتشاف أول بئر للبترول في أرضه. وسيظل ماثلاً أمامنا سؤال يبحث عن إجابة: أين النفط من ذلك الإنسان؟ وأين الإنسان من ذلك النفط؟