عندما يتحدث الأوروبيون عن اندماج المهاجرين في المجتمعات الأوروبية، فإنهم يشيرون بذلك إلى الأمم وليس إلى المهاجرين، وإلى الكيانات السياسية وليس إلى الأفراد. ففي يوم السبت الأول من شهر مايو، احتفل الاتحاد الأوروبي بضم 10 بلدان جديدة إلى عضوية الاتحاد الذي أصبح الآن الكتلة التجارية الأكبر في العالم. فمن مدينة لجوبلاجانا السلوفينية إلى لشبونة البرتغالية، رحب المسؤولون بحقبة جديدة من التعاون الدولي السلمي الذي يتصف بالرخاء. لكن إذا كان المراد أن تواصل أوروبا ازدهارها، فلابد للأوروبيين من أن يبدؤوا فهم الاندماج والتكامل بطريقة جديدة تماماً.
وأوروبا، بكلمة واحدة فقط، تنفجر من الداخل. فمع اتساع شريحة المسنين بين السكان وتناقص معدلات الولادة، باتت الأمم الأوروبية مرغمة على النظر إلى ما وراء نطاق حدودها لكي تبني قوة عاملة تكفي لاستدامة النمو الاقتصادي على المدى الطويل. وفي عقد التسعينيات، وصل المعدل السنوي لعدد المهاجرين إلى 857 ألف مهاجر، فأحدث تغييراً في وجه الأمم الـ15 الأصلية التي كان الاتحاد الأوروبي مؤلفاً منها، وستتواصل الهجرة كما كانت.
وتتميز إيطاليا على سبيل المثال بأن فيها أقدم المجموعات السكانية في العالم وأقل معدلات الولادات في العالم أيضاً؛ ومن دون المهاجرين، سينخفض عدد سكانها من 57 مليون نسمة (وهو المجموع الحالي) إلى 41 مليون نسمة في عام 2050. وفي ألمانيا، وهي أكبر الأمم الأوروبية، من المتوقع أن يتزايد عدد السكان الأكبر سناً بمقدار 50 في المئة على مدى العقود الثلاثة القادمة. ووصلت دراسة أجرتها الأمم المتحدة في عام 2000 إلى استنتاج مفاده أن ألمانيا إذا لم تقبل دخول 500 ألف مهاجر إليها في كل سنة، فإنها ستكون مضطرة إلى رفع سن التقاعد إلى 77 سنة حتى يكون لديها العدد الكافي من العاملين، الذي يكفي لتمويل صناديق التقاعد الخاصة بكبار السن.
وكشف استطلاع حديث للرأي العام أجرته المفوضية الأوروبية عن أن 56 في المئة من الأوروبيين يدركون الحاجة إلى المزيد من القوة العاملة المهاجرة، لكن 80% منهم يؤيدون على رغم ذلك فرض قوانين هجرة أكثر صرامة وتشدداً. ويكمن جزء من تلك المشكلة في أن معظم الأوروبيين، باستثناء البريطانيين والفرنسيين، لا يمكنهم إدراك فكرة استيعاب المهاجرين واندماجهم في المجتمعات الأوروبية. وليس هناك في أوروبا أية أسطورة مدنية- على غرار "البوتقة" في الولايات المتحدة الأميركية- من شأنها أن تمكّن الأوروبيين من تصور وجود الوحدة في التنوع. وليس هناك أيضاً قبول ولا موافقة على أن ثقافة الأقلية وثقافات الأغلبية يمكنهما أن تتقاربا وأن تمارسا التأثير المتبادل. ففي كثير من الأحيان يُنظر إلى المهاجرين في أوروبا على أنهم تهديدات تكتنف الاستقرار الاجتماعي والهوية القومية.
وحتى ما قبل 4 سنوات من الآن، مثلاً، بقي قانون التجنيس الألماني (منح حق المواطَنَة) مستنداً إلى دم ونسب الفرد وليس إلى التراب الذي يولد عليه. ومن الممكن لشخص ناطق باللغة الروسية وينتمي إلى الإثنية الآرية (الجرمانية) أن يحصل تلقائياً على الجنسية الألمانية (أي صفة المواطن الألماني) التي لا يمكن أن يحصل عليها طفل ألماني بحكم الولادة لأبوين تركيين مهاجرين إلى ألمانيا ويقيمان فيها منذ زمن طويل. وباعتبار أن القانون قد تغير الآن، بدأ الألمان للتو بتوسيع فكرة "الألمانية"، أي كون الشخص ألماني الصفات. وتستخدم وسائل الإعلام عبارات خرقاء من قبيل "التركي المواطن بحكم الإقامة"، و"أتراك يتمتعون بصفة المواطنة الألمانية" لوصف مواطنيهم الجدد.
وألمانيا ليست وحدها التي تخوض صراعاً لإضافة طبقات جديدة إلى فكرة الدولة القومية التي يتحدد تعريفها ببنود إثنية- ثقافية. فحتى في فرنسا، حيث تسود أيديولوجيا الاستيعاب، حقق الانسجام الثقافي المتوقع من المهاجرين مستويات مرتفعة. ومن ذلك على سبيل المثال فإن الحظر الذي تم فرضه في الآونة الأخيرة على ارتداء الفتيات المسلمات للحجاب الإسلامي هو حظر يستند إلى الفكرة التي مفادها أن هناك فقط طريقة واحدة لكي يكون الشخص فرنسياً.
وليس هناك ما يفاجئ ويثير الدهشة في أن الاختلافات العضوية الظاهرة ما بين الأجانب والسكان الأصليين ليس لها أثر كبير في تعزيز الإيمان بجدوى استيعاب المهاجرين. ففي عام 1996، وبعد أن فازت مواطنة سوداء البشرة من مواليد جمهورية الدومينيكان وتحمل الجنسية الإيطالية بلقب ملكة جمال إيطاليا، انخرطت إيطاليا كلها في جدل على مستوى البلاد حول طبيعة "الإيطالية" (أي صفة المواطن الإيطالي). وفي السنة التالية، تم إصدار إرشادات تشترط أن يكون على الأقل أحد أبوي المتنافسة على اللقب "إيطالي الدماء بالكامل".
وعلى رغم أن المواقف من كل ما هو أميركي قد وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ 10 سنوات، هناك شيء من الاعتراف بأننا نحن الأميركيين ربما نكون نموذجاً يستحق الدراسة، عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين. ففي أول عطلة أسبوعية من شهر مايو، تجمع في مدينة فينسيا