مؤلف كتابنا المعنون:(أسرار وأكاذيب: عملية حرية العراق وما بعدها: مقدمة لسقوط القوة الأميركية في الشرق الأوسط) هو الصحافي المعروف ديليب هيرو، المعلق الدائم على أحداث الشرق الأوسط في محطتي تلفزيون سي. إن. إن ، وبي. بي. سي الإخباريتين، والذي يعتبر من المرجعيات الموثوق بها في شؤون الشرق الأوسط، لما يتميز به من خبرة واسعة، ومعرفة عميقة بالعراق وشعبه، وتاريخه، وثقافته، وبمشهده السياسي العام خصوصا خلال الخمسة وعشرين عاما المنصرمة. وعلى رغم أن نقطة الاهتمام الأساسية في كتابه هذا هي عملية (حرية العراق) التي يعتبرها من أهم-إن لم تكن أهم- الأحداث السياسية التي وقعت في العالم في فترة ما بعد الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق عام 1991 إلا أنه يرى أنه مثلما كان تفكك الاتحاد السوفييتي تدشينا لعصر جديد في العلاقات الدولية، فإن عملية (حرية العراق) وما تلاها من تطورات لا زالت تتواتر حتى الآن في بلاد الرافدين، تمثل انعطافة مهمة في العلاقات الدولية، وأنها قد تكون- كما يذهب إلى ذلك الكثير من المحللين- مقدمة لانهيار القوة الأميركية في الشرق الأوسط. وعلى رغم أن عملية حرية العراق قد تم تناولها من قبل عدد كبير من الكتب التي صدرت حول الغزو الأنجلو- أميركي للعراق، إلا أن ما يميز تناول كتابنا هذا لهذه العملية، أن مؤلفه يقدمها بأسلوب بالغ التشويق، اعتمد فيه على مهنته كصحفي، وقدرته على الوصول إلى معلومات قد لا يستطيع الكاتب العادي الوصول إليها، إضافة إلى معرفته الدقيقة بخفايا ما يدور داخل العراق. ولا يقلل من درجة التشويق تلك ما يحس به القارئ أحيانا من عدم اتساق، وعدم تقيد بالترتيب الزمني للأحداث. ومن النقاط الأخرى التي يتفوق فيها المؤلف على غيره من المؤلفين، إلمامه الدقيق بتفصيلات العمليات السرية التي قامت بها القوات الخاصة في مناطق العراق الجنوبية قبل اندلاع العمليات الحربية الحقيقية في مارس 2003، وهي العمليات التي لم تتطرق إليها معظم الكتب التي تناولت حرب العراق. يتميز المؤلف أيضا بقدرته الفائقة على التغلغل في دروب المجتمع العراقي المعقدة، حتى ليمكن القول إنه يعرف من الحقائق والأسرار عن ذلك البلد، ما قد لا يعرفه الكثيرون من أبناء البلد الأصليين. ويقدم المؤلف أيضا، وبطريقة مثيرة للإعجاب، إطلالة معمقة على الانقسامات السياسية التي وقعت في البلاد عقب انهيار نظام صدام حسين، والتي كان النظام قادرا من خلال آلته القمعية الرهيبة، وأجهزته الأمنية العنكبوتية على كبتها. ويرى المؤلف أن تلك الانقسامات قد أدخلت البلد بالفعل في أوضاع سياسية وأمنية معقدة ومرتبكة، يستحيل معها التنبؤ بشكل دقيق بما قد تتطور إليه الأحوال في المستقبل القريب، ناهيك عن البعيد.
ومن النقاط الأخرى التي يتناولها المؤلف تلك الخاصة بالاعتقاد الذي ساد بعد السقوط المدوي والسريع للنظام، والذي كان مؤداه أنه بالإمكان خلق ديمقراطية تعددية على النمط الغربي في العراق خلال فترة وجيزة. وهو يقول إن التطورات التي حدثت في ذلك البلد منذ سقوط بغداد، تثبت بما لا يدع مجالا لأي شك أن ذلك يعد من الأمور التي يصعب تحقيقها، خصوصا بعد تفاقم الانقسامات والاختلافات بين الطوائف المختلفة في هذا البلد، والتي تهدد بتحويل الأوضاع فيه إلى حالة من الفوضى العارمة. والشيء الذي قد يأخذه البعض على المؤلف أنه وفي سياق محاولته الحثيثة لإلصاق التهم بالرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وإظهارهما في أسوأ صورة ممكنة، قد تورط في بعض الأخطاء الجسيمة التي كان سببها اعتماده على معلومات واستخبارات حصل عليها بوسائله الخاصة ، وقام بتضمينها كتابه قبل أن يتبين فيما بعد أنها غير صحيحة، بل وزائفة أحيانا. من ذلك على سبيل المثال قوله إن الرجلين كانا يعرفان أن الحجج التي قدماها في معرض تبريرهما لشن الحرب على العراق، والتي تتمثل في امتلاك نظامه السابق لأسلحة دمار شامل أو وجود علاقة بينه وبين التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم القاعدة، كانت حججا كاذبة. وعلى رغم أن الكثيرين من القراء قد يتفقون مع الكاتب في هذا الرأي، إلا أن ذلك ليس هو المهم. المهم هو أن المؤلف-وهو كما أشرنا من المرجعيات المهمة في شؤون الشرق الأوسط- كان مطالبا عندما يقوم بتوجيه اتهام على تلك الدرجة من الخطورة بأن يقدم على الأقل الأدلة والبراهين والوثائق التي تثبت صحته- وهو ما لم يفعله.
ويتطرق المؤلف أيضا إلى تفاصيل حملة الدعاية الهائلة التي قامت بها الآلة الإعلامية الأميركية الجبارة والتي افتقدت إلى الإنصاف والعدالة، وقامت بإخراج ما يعتبره المؤلف مجرد مسرحية رديئة وفقا لرؤيته الخاصة، وليس وفقا للقواعد السليمة للعمل. كما يعرض الكتاب أيضا لبعض التلفيقات الفجة التي لجأت إليها الإدارة من أجل إضفاء هالة زائفة على قواتها الموجودة في العراق مثل عملية تحرير المجندة (جيسيكا لينش) التي قامت بها القوات الخاصة الأميركية والتي لا يمكن أن تنطلي على أحد. و