ليست ثمة متعة البتة يمكن أن يجنيها الأطفال لدى إصابتهم بمرض السكري. ذلك أن الإصابة بالمرض، تعني تعرض الطفل للكثير من ثقوب أطراف الأصابع المؤلمة بالإبر، إضافة إلى الكثير من تعاطي إبر الإنسولين على الذراع. وضمن التوجيهات والإرشادات العلاجية، يتم حرمان الطفل المصاب من الحلويات والمشروبات الغازية التي يحبها الأطفال أيما حب. إلى جانب كل هذه المعاناة، فإن الطفل يصبح أكثر عرضة كلما تقدمت به السن، للإصابة بالعمى والفشل التدريجي لوظائف الكلى، إضافة لأعراض أمراض القلب، وما ينشأ عنها من مضاعفات صحية خطيرة. والمعروف عن النوع الأول من مرض السكري- تمييزاً له عن النوع الثاني الذي يشيع انتشاره على نحو واسع بين الراشدين ممن تتجاوز أعمارهم الخامسة والأربعين- غالبا ما يصيب الأطفال دون طرق للأبواب أو استئذان أو سابق إنذار. الذي يحدث في حالات كثيرة جدا، أن طفلا سليما معافى وعلى أحسن ما يكون، قد يشعر فجأة بحالة من الظمأ الذي لا يرتوي أبدا، ثم يكثر تبوله وزياراته غير المنقطعة للحمام.
وكلما تمكن المرض من الجسم، كلما تم تدمير كافة الأنسجة المنتجة لمادة الإنسولين في الجسم. لكن وبقدر ما تبدو الإصابة بالمرض مباغتة ومفاجئة على هذا النحو، بقدر ما توجد قناعة طبية راسخة لدى بعض الأطباء الاختصاصيين، بوجود أجسام مضادة في الجسم منذ مدة طويلة سابقة لظهور الأعراض الحقيقية للمرض، وبأن هذه الأجسام تظل تأخذ دورتها خلال القنوات الرئيسية للدورة الدموية للمريض، على امتداد عدة سنوات، ربما تعود لمرحلة ولادته. ولما كان الحال كذلك، فلم لا يسعى الطب لاكتشاف هذه الأجسام المضادة، واختبار عينات منها، حتى يعرف أي الأطفال يمكن ترشيحه ضمن المعرضين للإصابة بالمرض؟
هذا هو عين ما يسعى لفعله الدكتور العابد يوسف، خلال الاقتراح الذي تقدم به مؤخرا لاجتماع الجمعية الكيميائية الأميركية المنعقد في مدينة أنهايم في ولاية كاليفورنيا. لم تأت الفكرة هذه من الدكتور العابد يوسف وحده، إنما شاطره في القناعة بها، وعرضها على اجتماع الجمعية المذكورة، زملاؤه في معهد دراسات نورث شور لونج آيلاند، في مدينة مانهاست بولاية نيويورك. لم يأت هذا الفريق بمجرد فكرة أو اقتراح فحسب، بل قدم للاجتماع جزيئا كيميائيا، في مقدوره منع إصابة الفئران الصغيرة بمرض السكري.
يعرف النوع الأول من السكري، بأنه مرض يصيب جهاز المناعة. ولأسباب وراثية- بيئية مجهولة ولم يكتشف سرها بعد، تتضافر مجموعة من العوامل معا، وتهاجم الأنسجة المنتجة لمادة الإنسولين في الجسم، تحديدا في جهاز البنكرياس. المعروف طبيا أن الالتهابات تساعد وتعجل من الإصابة بهذه الحالة. كان الدكتور العابد قد توصل منذ بضع سنوات إلى أن من المحتمل أن يكون لبروتين ((MIF القدرة على إنتاج علاج من هذه الأعراض. ما تصوره الدكتور العابد هوأن للبروتين المذكور، القدرة على تحديد الشبكات الالتهابية في الجسم، وقطع خطوطها والاتصالات فيما بينها، الأمر الذي من شأنه وقف الأنشطة الالتهابية، ومن ثم الحيلولة دون انتشار المرض في الجسم. في الأسبوع الماضي، أعلن الدكتور العابد عن توصله لمركب كيميائي اسمه (ISO -1) من رأيه أنه يؤدي الوظيفة المشار إليها أعلاه. معمليا كان الدكتور الباحث وزملاؤه قد اختبروا تأثيرات(ISO 1) على موضع محدد من سطح بروتين (MIF) ولاحظوا أن المركب الكيميائي قد حال دون قدرة البروتين على القيام بأنشطته الالتهابية- معمليا. نجحت هذه التجربة قبل عامين على الأقل. غير أن احتمال نجاح تجربة هذا المركب الكيميائي على كائن حي فعليا، يبقى احتمالا مفتوحا ورهينا للتجريب العملي وحده.
إلى ذلك باشر الدكتور العابد، معالجة مجموعة من الفئران المعملية، بمادة كيميائية مساعدة تعرف باسم " ستربتوزوتوسين" أو اختصارا في الإنجليزية STZ مما جعل الفئران تشعر بارتفاع معدلات السكر في الدم، على النحو الذي يشعر به مرضى السكري عادة. أما الفئران التي لم تتم معالجتها من أعراض الحالة الأخيرة- ارتفاع معدلات السكر في الدم- فقد طورت جميعها نوعا من مرض السكري، الذي تم حفزه كيميائيا. خلافا لذلك، فقد نجت من الأعراض ذاتها مجموعة الفئران الأخرى التي حقنت بعقار ISO-1 خلال عشرة أيام كاملة، السبعة إلى ثمانية أيام الأولى من عمرها. وأقدم الدكتور العابد كذلك، على حقن مجموعة أخرى من الفئران تم تطويرها جينيا بحيث تكون مصابة بالنوع الأول من مرض السكري. من هذه المجموعة الأخيرة التي يبلغ عدد أفرادها 22 فأرا، نجا منها 20 فأرا بعد الحقن بالدواء المشار إليه أعلاه.
وبسبب صغر حجم جزيء ISO-1 فإن من قناعة الدكتور العابد، أنه سوف يكون في الإمكان تطويره إلى عقار بشري، يمكن تناوله بواسطة الفم خلال بضعة أعوام قليلة من الآن. ومن رأي الدكتور أيضا، أنه سوف يغدو ممكنا، تطوير وسائل طبية حديثة لفحص الإصابة بمرض السكري، الأمر الذي سيستفيد منه الأطفال أكثر من غيرهم. ويعكف دكتور العابد حاليا، على إجراء اختبارات طبية جديدة للمرض،