أصدرت حكومة الولايات المتحدة ورقة عمل لما وصفته بالشراكة بين العالم الصناعي و"منطقة الشرق الأوسط الكبير". ومن المقرر أن تجري مناقشة الجوانب السياسية والمدنية لهذا المشروع الطموح في قمة تعقدها الدول الصناعية الثماني الكبرى(G8) في ولاية فلوريدا الأميركية بين الثامن والعاشر من شهر يونيو المقبل، في حين أن الجوانب الأمنية ستجري معاينتها في قمة حلف "الناتو" التي ستنعقد في مدينة اسطنبول التركية يومي 28 و29 من شهر يونيو أيضاً. فما الذي ينبغي فهمه من طرح هذه المبادرة الأميركية؟
إن أول ما ينبغي قوله هنا أن المبادرة سبّبت مفاجأة تامة للعالم العربي، إذ لم يتم إخبار الزعماء العرب بها ولا التشاور معهم قبل إطلاق المشروع المذكور، وهو ما أكّده الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لدى زيارة قام بها إلى باريس في الأسبوع الماضي. ولذلك أرى أن هناك تهوراً وطيشاً في إطلاق مبادرة كهذه دون عقد مناقشات حولها مع الأشخاص المعنيين بها قبل غيرهم.
أما ثاني ما يقال عن هذا المشروع فهو أنه يعكس تفكير المحافظين الجدد في واشنطن، وهُم الأشخاص أنفسهم الذين ضغطوا في اتجاه شن الحرب على العراق. فمنذ 11 سبتمبر 2001، دأب صقور واشنطن هؤلاء، الذين تربط الكثيرين منهم علاقات وثيقة بحزب "الليكود" في إسرائيل، على إيراد حجة مفادها أن السياسات الأميركية في الشرق الأوسط ليست مسؤولة عن ظهور ما يعتبرونه الإرهاب الاسلامي، وأن جذور الارهاب كامنة في ما قالوا إنه تخلف وتعصب العالمين العربي والاسلامي. ويعني ذلك أن الشرق الأوسط غير المطروق بالإصلاحات يشكل تهديداً للعالم الغربي! فإذا كان مقدّراً للأمم الغربية، وأميركا على وجه الخصوص، أن تحمي نفسها من الهجمات الإرهابية المستقبلية، فلابد لها من تغيير الشرق الأوسط. وهذه هي الفلسفة التي دفعت الولايات المتحدة إلى مهاجمة العراق واحتلاله، والتي ما تزال حتى الآن تخترق تفكير واشنطن في كل مجالاته.
ويتضح ذلك كلّه في الفقرة الأولى من ورقة العمل الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط الكبير، إذ أنها تقول حرفياً:
"ما دامت كتلة الأفراد المحرومين سياسياً واقتصادياً تنمو باطراد في هذه المنطقة، فإننا سنشهد زيادة في التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة".
بعدئذ أوجزت ورقة العمل المذكورة البرنامج المفصل المعني بنشر الديمقراطية وأنظمة الحكم السليمة في العالم العربي، والمعني أيضاً ببناء مجتمع المعرفة وتوسيع نطاق الفرص الاقتصادية في كل أرجاء المنطقة.
وليس في وسع أحد أن يختلف مع هذه الأهداف. فالعالم العربي يحتاج طبعاً إلى أنظمة حكم أكثر انخراطاً في النهج النيابي وتمثيل الشعوب، وإلى رفع نسبة من يعرفون القراءة والكتابة، وإلى تحقيق المزيد من الحرية للنساء، وكذلك إلى توزيع الثروة على نحو أفضل. وفي الحقيقة أن مواطن العجز الثلاثة التي تعتري العالم العربي، وهي الحرية والمعرفة وإعطاء النساء أسباب القوة، كانت في مقدمة الأمور التي حدّد ماهيتها بكل وضوح أولئك الأشخاص العرب الذين اضطلعوا بإعداد التقريرين المعنيَين بالتنمية البشرية العربية لعام 2002 و 2003 واللذين أصدرتهما هيئة الأمم المتحدة.
لكن الجديد في ورقة العمل الأميركية هو التأكيد على أن مواطن الضعف والتقصير التي أصابت العالم العربي باتت تهدد، بحسب ورقة العمل، مصالح الدول الصناعية الثماني الكبرى. وقد أغفلت ورقة العمل تماماً الإشارة إلى الصراع العربي-الإسرائيلي، وهو ما يعكس مرّة أخرى طبيعة تفكير "صقور" واشنطن الموالين لإسرائيل والذين يرفضون الاعتراف بأن دعم أميركا الأعمى لإسرائيل، التي تقمع الفلسطينيين بلا أية شفقة، هو المصدر الرئيسي لمشاعر العداء العنيفة تجاه الأميركيين، وهي بالتالي مصدر للإرهاب المعادي لأميركا. وقد وردت في ورقة العمل إشارة واحدة فقط إلى إسرائيل، إذ تقول إن منطقة الشرق الأوسط الكبير تعاني كلها من نقص شديد في الديمقراطية والحرية، لكن إسرائيل هي البلد الوحيد في المنطقة المصنف بين الدول التي تتمتع بالحرية.
وقد صدرت ردود فعل سلبية على المشروع الأميركي من بعض القادة العرب. ففي زيارته الأحدث إلى الرياض، انضم الرئيس المصري حسني مبارك إلى القادة السعوديين في التأكيد على عدم إمكانية فرض الإصلاح من الخارج على العالم العربي، والتأكيد على أن أي ضغط خارجي في هذا الاتجاه من شأنه أن يلقى مقاومة داخلية. وفيما يتعلق بالعرب ككل، سيؤدي أي تجاهل للصراع العربي الإسرائيلي إلى الحكم على المبادرة الأميركية الجديدة بالإخفاق المؤكد.
وهناك العديد من البلدان الأوروبية التي تتبنى هذا الرأي. ففرنسا على وجه الخصوص ترى أن الصراع العربي-الإسرائيلي يشكل محوراً في مستقبل المنطقة، إذ أنه سمّم كل العلاقات وبات يهدّد بابتلاع المنطقة كلها في هوة الكارثة. ولن تكون هناك إمكانية لقيام شراكة غربية فاعلة مع هذه المنطقة إذا تم السماح بتفاقم هذا الصراع.
ويشعر الأوروبيون بالقلق أيضاً من أن المشروع الأم