عندما تكشّف للعالم ما كان مخبوءاً من أمر بيع العالم النووي الباكستاني الدكتور عبدالقدير خان لأسرار نووية إلى دول أخرى مقابل مبالغ مالية تباينت ردود الفعل في المنطقة والعالم بشكل ملفت وعجيب، مما يدعو إلى الاستغراب والحيرة، على أقل تقدير! فالقوى الدولية العظمى التي يعود لها الفضل في تتبع وكشف هذا السوبر ماركت النووي الدولي، تعاملت مع الأمر واضعة في الاعتبار ما تقتضيه مصالحها الخاصة، للحفاظ على التوازنات التي تضمن استمرار تلك المصالح. ودول المنطقة وهي المستهدف الأول والأخير من وراء عملية تهريب وبيع الأسرار النووية تلك تراوحت ردود فعلها بين اللامبالاة، والإدانة الصامتة. والدولة المعنية اكتفت بتنحية عبد القدير خان وكان عليها أن تحاكمه على خيانته لبلده أولاً، ثم تعريضه لأمن أكثر من طرف دولي للخطر، كل هذا بدافع الطمع وسعياً لجمع المال، وخيانةً لأمانة الأسرار الوطنية التي عهد إليه بلده بها.
وجاء بعض الكتاب والمثقفين، أحياناً بحسن نية، ليغدقوا على عبد القدير خان أوصافاً عاطفية وليسقطوا على قضيته أبعاداً لا تنطبق عليها من قريب ولا من بعيد. فلا أفعال هذا العالم الباكستاني – بعد أن تكشّفت حقيقتها – تجعله جديراً بالاحترام، ولا الأمة الإسلامية استفادت أو حتى يمكن أن تستفيد منها، ولا هي تخدم صيانة السلام أو الحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي. بل على العكس، كان من شأن هذه الأعمال أن تلحق من الضرر بمنطقتنا ما لا يعلم إلا الله مداه.
لقد ربط البعض بين ما اعتبروه "إنجازات" هذا العالم، وإنجازات عالم مسلم يتولى رئاسة ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وربط آخرون بين هذا الفصل من فصول قضيته ومصير الفني الإسرائيلي فانونو –الذي كشف الكثير من خبايا البرنامج النووي الإسرائيلي- ... إلى آخر تلك التشبيهات التي جاءت في غير محلها، والتي تعبر عن عاطفة ساذجة في الطرح وعدم قدرة على استشراف مصلحة المنطقة!
والحقيقة أنه لا هذا ولا ذاك يمكن مقارنته بما فعله عبد القدير خان، فالأول لم يتاجر بأسرار بلده، والثاني كشف الحقائق، فكان جزاؤه عسيراً وظل يرزح في السجون الإسرائيلية.
على أن ما يهمنا أكثر في ما مارسه عبد القدير خان من تجارة وسمسرة نووية على المكشوف، هو مدى ما يهدد به ذلك أمن واستقرار منطقتنا. فعبد القدير خان لم يبع الأسرار النووية لجزر مارشال أو ترينيداد وتوباجو، مثلاً، وإنما باعها لدول إقليمية يمكن أن تشكل تهديداً حقيقياً لمصالحنا ولأمن منطقتنا، وللأمن والاستقرار في العالم بصفة عامة. فإذا كانت إسرائيل تمتلك ترسانة نووية يقدرها بعض الخبراء بما يزيد على مائتي رأس نووي، وتشكل دون شك تهديداً للاستقرار في المنطقة، فإن امتلاك أطراف إقليمية أخرى للسلاح النووي ذاته، كان سيجعل المنطقة العربية تحت رحمة طوق نووي حقيقي يلتفّ على جسد هذه المنطقة من العالم من كل جانب.
بقي أن نقول إن أمتنا العربية والإسلامية ليست في حاجة إلى أسلحة الدمار الشامل، وإنما تحتاج إلى بناء الأمن والأمان والاستقرار، من خلال برامج تنموية مستنيرة تبني الإنسان، وترسخ قيم الخير والمحبة والرخاء في المنطقة. وذلك وحده هو السبيل إلى تحصينها وضمان منعتها ومستقبلها. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.