قد يكون في العنوان شيء من الغرابة، فهل هناك طريقة للتسلق عبر الصوت؟ إنني لا أتناول في مقالي هذا قاعدة في الفيزياء يخترق عبرها الإنسان حاجز الصوت، وليست نظرية جديدة في الرياضيات نقيس عبر معادلاتها سرعة الإنسان عبر ذبذبات صوته، كما أن الأمر لا يرتبط بمبدأ علمي آخر، إن الحديث اليوم يرتبط بالحرية في المجتمع العربي تلك الحرية التي تحدث عنها الجميع، حتى أن الولايات المتحدة مشكورة عبرت عن ذلك خير التعبير عبر قناتها الجديدة والتي أسمتها الحرة، فهل نحن كذلك؟ لست حرا في الإجابة على هذا السؤال لكن دعوني أعرج معكم على بعض الممارسات وأترك لكم الحكم.
في أسرنا من هو الولد المطلوب؟ باختصار شديد هو الولد المطيع وهذه سمة حسنة لكن السيئ في الأمر أن هذا الولد المطيع أبرز سماته الاتباع المطلق للتعليمات دونما مساحة لإبداء الرأي والتحاور أو الاختلاف لكن هذه ليست هي سمة الإنسان المطيع بل هو مطالب بإبراز الطاعة العمياء عبر صوته الذي قد يبح من الثناء للسلطة الحاكمة في المنزل، فإذا كتم الولد مشاعره فهو على خطر عظيم لأن الساكت لا نستطيع إلى صدره سبيلا. ومن مظاهر التسلق الصوتي في الأسر أن ينقل الولد فضائح الآخرين كقربان للاذعان والطاعة، وإذا لا قدر الله طلب منه إبداء الرأي حول الأسرة فاقت أصوات المديح جوانب النقص إن ذكرت. هل أطالب هنا بأن يخرج الإنسان عن طاعة الوالدين أو أن يبدي سلوك المعارضة؟ لا أحسب أن القارئ الكريم فهم مني هذا الأمر.
كي تتضح الصورة دعوني أقفز إلى عالم الإدارة، فنحن نعيش تحت إدارات مختلفة ابتداء من إدارة المؤسسة التي نعمل بها إلى أصغر إدارة نتعامل معها، تصور معي من هو الموظف الناجح في عمله حسب رأي بعض المديرين ، إنه الإنسان الذي يغلب عذب الحديث عليه فهو يتنقل بين المدح و الثناء لكافة أعمال رأس الإدارة، وليس هذا فقط بل هو ينقل للرأس كل الايجابيات والثناء الحسن الذي يسمعه عنه في الخارج بهذا يترقى الإنسان وإذا أراد المزيد من الترقية فإنه يتمثل الناقل الأمين لكل نقد يقال حول الإدارة في الخارج بالطبع مع بعض الإضافات التي تبين ولاءه التام للمدير، وشجبه واستنكاره لكل ما يقال من كلام حول جلال وعظم ورونق وديمقراطية المدير، عندها يسلك الموظف مسالك الدارجين للعلا والرقي، قد يتساءل البعض وهل هذا وضع غير طبيعي؟ لن أجيب بل أنقلكم إلى مشاهد أخرى.
كثيرة هي المؤتمرات العربية التي نحضرها، والتي يضيع جل الوقت المخصص للكلمة في شعارات الولاء والإطراء لقائد ذلك المؤتمر، ويقدم المحاضر الأعذار عن كل نقص وجده في دراسته، من قريب حضرت مؤتمراً تربوياً عربياً قيم أداء وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي والتي كان أداؤها سيئاً بناء على معظم الأرقام التي بينتها الدراسات. مساكين هم من قاموا بهذه الدراسات إذ لا أعتقد أن أحدهم سيدعى لتطوير التربية في الدول العربية، لكن معظمهم تنبه لمستقبله فبعد أن يذكر الأرقام الدالة على الواقع المخزي يعلل ذلك ويوجد ألف سبب كي لا يغضب معالي الوزير، حتى يقلب في النهاية حقائق الأرقام إلى، إنجازات غير مرئية يحملها المستقبل الذي يراه ولا نراه.
لو ابتعدنا قليلا عن المؤتمرات إلى ما هو أكبر من ذلك دعونا ندرس الإعلام العربي، ونقلب الصحف في معظم الدول العربية لنرى أن الرقيب الذاتي للإعلام يحول بين رجالاته وقول الحقيقة، فالكاتب قد تمتلئ سلة المهملات عنده لو ناقش قضية في مجتمعه حتى يصل إلى الكلام الذي لا يؤاخذ عليه، ولله الحمد لقد وفر لنا جهاز الحاسب سلة مهملات لا يراها أحد وهي تمثل الحق الذي من المفترض أن يقال.
قد يسأل البعض هل أنا من دعاة الفوضى، الجواب هو كلا لكنني وعبر هذا المقال أدعو إلى تنظيم الواقع الذي يعيشه البعض، فالاختلاف في الرأي كما تقول العرب لا يذهب للود قضية، ومن الواجب علينا أن نسمع أكثر من رأي حتى نعرف حقيقة الواقع، ولا ينبغي علينا ربط مصالح الأوطان بمناصب نريد الحفاظ عليها عبر سياج من البشر لا يقول إلا ما نريد، ولا يرى الأمور إلا كما نشاء. هذا ما دعا الدول المتقدمة إلى تنظيم هذه العملية عبر المجالس والتشريعات التي تكون فيها المصلحة العليا مقدمة على مصلحة المدير.