قامت الدنيا ولم تقعد تجاه التصريحات التي كان قد أدلى بها رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد والتي يعبر فيها عن رأيه الصريح من أن "اليهود يتحكمون في العالم من خلال نفوذهم المالي ويرسلون الآخرين للموت من أجل قضاياهم". وكان أكثر ما أثار اليهود والصهاينة والمتصهينين من المسيحيين الأوروبيين والأميركيين قوله: "الأوروبيون قتلوا ستة ملايين يهودي من أصل 21 مليوناً، لكن اليهود يقومون اليوم بإدارة العالم بالوكالة ويجعلون الآخرين يقاتلون ويموتون بدلاً عنهم". ومع أن مهاتير محمد أدان أيضاً، في الخطاب نفسه، "العمليات الانتحارية" ضد المدنيين الإسرائيليين واستعمال العنف إلا أن هذا الجزء من الخطاب قد تم تجاهله تماما وعوضاً عن ذكره تم التركيز على الجزء الأول من الخطاب فقط. واعتبر مهاتير خلال مؤتمر صحفي عقده بعد اختتام قمة منظمة المؤتمر الإسلامي أن عدم القدرة على انتقاد اليهود بدون أن نتهم بمعاداة السامية يعبر عن تحيز ضد المسلمين.
والحقيقة أن أوروبا ترزح في هذه الأيام تحت وطأة الإرهاب الإعلامي حيث يقوم سفراء الدولة الصهيونية في العالم وبالذات في أوروبا بأدوار محاكم التفتيش الصهيونية التي تقوم بملاحقة ليس فقط العرب والمسلمين بل أيضا كل من يجرؤ من الأوروبيين على انتقاد "إسرائيل" وممارساتها القمعية. وقد ازداد كل ذلك بعد نشر نتائج الاستطلاع الذي جرى في الدول الخمسة عشرة المكونة للاتحاد الأوروبي بعد أن رأى 50% من الذين جرى استطلاع آرائهم بأن الدولة العبرية تتصدر لائحة الدول التي تهدد أمن وسلامة العالم. واحتلت "إسرائيل" هذا المركز بفارق كبير عن دول أخرى يجري الحديث عنها في وسائل الإعلام الدولية كمصدر خطر للسلم العالمي مثل كوريا الشمالية وإيران والعراق، أي دول "محور الشر"، وفق التسمية التي أطلقها المحافظون الأميركيون الجدد على هذه الدول. وفاجأ هذا الاستطلاع الدولة الصهيونية واليهود في العالم. وكالعادة، ارتفعت أصوات الاحتجاج والتنديد من طرف اللوبي الصهيوني وعادت نغمة الأسطوانة المشروخة "معاداة السامية" إلى الظهور متهمة الاستطلاع بالعنصرية والادعاء بتجذر معاداة السامية في أوروبا. وفي الدولة العبرية ذاتها، اعتبر مسؤولون وصحف إسرائيلية أن الاستطلاع المذكور هو تأكيد على انتشار معاداة السامية في أوروبا. بل إن وزير العلاقات العامة ناتان شارنسكي قال: "إن معاداة السامية تقف وراء الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل". ثم أضاف بأن "الاتحاد الأوروبي الذي أظهر حساسية تجاه قضايا تتعلق بحقوق الإنسان يجب أن يوقف عملية غسل الدماغ التي تستهدف تشويه صورة إسرائيل قبل أن تسقط أوروبا مجددا في المراحل المظلمة من تاريخها". ومن جهته، قال آفي بازنر، السفير الإسرائيلي السابق لدى روما وباريس والمتحدث باسم الحكومة، "إن الاستطلاع يفتقر إلى المصداقية واعتبر أن الصورة السلبية لدى الأوروبيين حيال إسرائيل ناجمة عن التغطية الإعلامية خلال ثلاث سنوات من الانتفاضة".
كان من نتيجة ذلك الاتهامات التي وجهتها عدة منظمات صهيونية إلى المفوضية الأوروبية واتهامها بالتغاضي عن المشاعر المعادية لليهود في أوروبا، الأمر الذي حدا برومانو برودي، رئيس المفوضية الأوروبية، إلى تطمين المنظمات الصهيونية بأن "نتائج الاستفتاء لا تعكس بالضرورة معاداة السامية". وهكذا نرى أن تهمة معاداة السامية التي تطلقها "إسرائيل" والصهيونية العالمية على كل من ينتقد تصرفات الحكومة الإسرائيلية القمعية في الأراضي المحتلة، كفيلة بأن تطيح بأكبر الرؤوس في الولايات المتحدة وأوروبا. فكل من ينتقد الأعمال الإسرائيلية المخالفة لكل الشرائع والقوانين الدولية، وكل من يتخذ موقفا إنسانيا عندما تقوم الدولة العبرية بأي عمل مخالف للقانون الدولي من جرف أراضٍ ونسف بيوت واغتيال نشطاء وبناء مستعمرات على أراضٍ محتلة خلافا لاتفاقيات جنيف، كلما قام أحد الساسة في أوروبا أو أميركا بانتقادها توجه إليه فورا تهمة معاداة السامية و"الكره لليهود". فهذه الحملات أصبحت معروفة عند جميع الشعوب والأحزاب والحكومات في العالم أجمع. ودائماً هناك من يرتعد خوفا من اتهامه بمعاداة السامية إذا ما تجرأ وأدان أعمال "إسرائيل" أو تحدث عن مقارنة وتشبيه بين أعمال الإجرام النازية ضد اليهود في أوروبا وبين الأعمال الإجرامية المشابهة التي تقوم بها الدولة الصهيونية ذاتها ضد الشعب الفلسطيني! وهذا بالضبط هو ما حصل مع مهاتير محمد وغيره.
إن معظم الدول الأوروبية التي تتبنى الديمقراطية قد حاربت بشراسة كل من يتهم الدولة العبرية بأية أعمال أو حاول كشف الادعاءات اليهودية/ الصهيونية. وهذا هو ما حصل بالضبط مع المفكر الغربي المسلم روجيه غارودي وكتابه المهم "الأساطير المؤسسة للدولة الإسرائيلية" حيث منع الكتاب من النشر وصودر من الأسواق. ولقد كانت هذه أول مرة يمنع فيها نشر كتاب في فرنسا العريقة في ديمقراطيتها. والأمر نفسه حصل مع الفتاة المصرية التي كتبت عن أحلام الأطفال والشباب الفلسطيني ح