مؤلفا كتابنا هذا وعنوانه: "عامل النفط: كيف يتحكم النفط في الاقتصاد وفي مستقبلك المالي". هما ستيفن ليب، وزوجته دونا ليب. وستيفن ليب هو رئيس تحرير نشرة Complete Investor "المستثمر الكامل" الشهرية المتخصصة في الشؤون المالية، كما أنه مؤلف اقتصادي معروف.. كتب بالاشتراك مع زوجته عدة كتب لعل أكثرها شهرة كتابه "النزول إلى الطابق الأرضي"، الذي حظي بشهرة كبيرة، وحقق أرقام مبيعات عالية.
يتنبأ المؤلفان في كتابهما الجديد، بأن اقتصاد الولايات المتحدة سوف يشهد أزمة طاحنة.. بل وقد يسقط سقوطا مدويا، نتيجة لحدوث أزمة غير متوقعة في إمدادات النفط. وهما يقومان عبر عدة فصول بمناقشة التأثيرات والتداعيات المحتملة لهذه الأزمة على اقتصاد الولايات المتحدة، وعلى سوق الأوراق المالية، اللذين ارتبطا ارتباطا وثيقا بأسعار النفط على مدار الثلاثين عاما الماضية.
وفي الفصل الأول من الكتاب.. يحرص المؤلفان على تذكير القراء بالقاعدة الاقتصادية المعروفة التي تقول إنه عندما يتجاوز الطلب العالمي على النفط الكميات المنتجة، فإن ذلك يؤدي تلقائيا إلى ارتفاع في أسعاره، كما يؤدي إلى حدوث تأثيرات سلبية على أسعار الأسهم والسندات، وإلى حالة اضطراب في المعاملات في أسواق الأوراق المالية.
ويرى المؤلفان، أن الولايات المتحدة ليس أمامها سوى طريقتين لتجنب هذه الأزمة النفطية المؤكد وقوعها، إذا ما استمرت معدلات استهلاك النفط في الولايات المتحدة على مستوياتها الحالية، والتي تتصف بقدر كبير من الإسراف الذي يصل إلى مرحلة الهدر أحيانا. هاتان الطريقتان -حسب المؤلفين -هما اللجوء إلى أنواع الوقود البديلة المستخرجة من باطن الأرض، والعمل على ترشيد استهلاك النفط . وعلى رغم أن البحوث الخاصة بمصادر الطاقة البديلة، وخصوصا تلك المستخرجة من باطن الأرض.. تحمل في طياتها بعض الأمل كما يقول المؤلفان.. إلا أن ذلك سوف يحتاج لبعض الوقت ولا يتوقع حدوثه في المستقبل القريب. وعليه فإن الطريقة الثانية.. أي ترشيد استهلاك النفط، وتقليص الاعتماد على النفط المستورد من الخارج، ستكون هو الخيار الأفضل، والأكثر ملاءمة في المدى الطويل. هذا فيما يتعلق بالكيفية التي يتعين بها على الولايات المتحدة أن تقوم بالاحتراز لوقوع تلك الأزمة. أما فيما يتعلق بالنصائح التي يوجهها المؤلفان للمستثمرين في حالة وقوعها، فإنها تتلخص في ضرورة قيامهم بالتحول إلى الاستثمارات التي نشأ بينها وبين أسعار النفط نوع من الارتباط الطويل الأمد!
ويمكن للقراء أن يفهموا السبب الذي دعا المؤلفين إلى تقديم هذه النصيحة.. التي تبدو للوهلة الأولى وكأنها تتعارض مع المنطق السليم، بل ومع الفرضية الرئيسية التي انطلق منها المؤلفان.. إذا ما تمعنوا جيدا في الملاحظات النافذة والعميقة التي يقدمانها، والتي توصلا إليها عبر عملية فحص واستقصاء دقيق لأداء سوق الأوراق المالية، وتقلبات أسعار النفط على مدار الثلاثين عاما الأخيرة. من تلك الملاحظات على سبيل المثال ما يقوله المؤلفان من أنه: منذ عام 1973، وهو العام الذي قامت فيه الدول العربية النفطية، بتعليق صادراتها النفطية تضامناً مع مصر وسوريا في حربهما ضد إسرائيل، مع ما ترتب على ذلك من حدوث أزمة طاقة خانقة، فإن الاقتصاد الأميركي بشكل عام، وسوق الأوراق المالية بشكل خاص، أصبحا يرقصان منذ ذلك الحين، على أنغام النفط..
فالارتفاعات الحادة في أسعار تلك المادة الخام الثمينة.. كانت تؤدي على مدار تلك الأعوام، إلى حدوث حالة من التراجع، أو الركود الاقتصادي والتضخم المالي، مع هبوط حاد في أسعار الأسهم والسندات. أما انخفاض تلك الأسعار، أو حتى بقاؤها في مستويات معقولة.. فكانت تنعكس بالإيجاب على الاقتصاد.
ويقوم المؤلفان من خلال العديد من السياقات التاريخية، بتقديم ما يدعم طرحهما الأساسي، كما يقومان بعملية تحليل دقيق لتأثير التقلب في أسعار النفط على أداء عدد من الصناعات، والشركات الكبرى، ومجالات الاستثمار المتنوعة. وهما يناقشان كذلك الجوانب الإيجابية والسلبية للاستراتيجيات العديدة، التي يمكن اتباعها في حالة حدوث اضطراب في سوق الأوراق المالية بسبب ارتفاع أسعار النفط .. منها على سبيل المثال الاتجاه إلى الاستثمار في الذهب، أو الاستثمار في الأسهم والسندات الخاصة بمصادر الطاقة البديلة، وكذلك اتباع السياسات المالية المتعلقة بالتعامل مع فترات الانكماش الاقتصادي، والتي تعرف باسم "عمليات التغطية " Hedging Transactions. وبعد ذلك يختتم المؤلفان الكتاب بتقديم العديد من الإحصائيات التي تدعم أطروحاتهما.
الميزة الرئيسية لكتابنا هذا.. أنه يجمع ما بين كونه كتابا متخصصا يقدم سرداً نظرياً معمقاً للأسس النظرية لما يعرف باقتصادات النفط، وارتباط تلك الأسس بتقلبات الاقتصاد، والتذبذبات السعرية للأسهم والسندات.. وبين كونه مرشدا عمليا، يقدم للقراء النصائح التي تساعدهم على التخطيط بشكل جيد لاستثماراتهم، ومعرفة الطرق التي يمكنهم من خلالها النجاة من