تتصل قضية حقوق الإنسان في مفهومها العام، بجوانب قانونية ودينية وسياسية وثقافية متشعبة، وكثيرا ًما اصطدمت بخصوصيات ثقافية وحضارية محلية، أو تعارضت أحياناً مع مصالح ورغبات قائمة، لكن تعقيدات أخرى تطفو على السطح حين تتخذ الدول الكبرى من مسألة حقوق الإنسان ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية لبلدان نامية.
وفي كتابه "حقوق الإنسان بين العولمة والخصوصية"، يتعرض الدكتور إمام حسانين عطا الله، إلى الحركة العالمية لحقوق الإنسان، وخصوصيتها في إطار الحضارة العربية الإسلامية، ثم يقيم حالة حقوق الإنسان في النموذج السعودي. فعن حركات حقوق الإنسان، يقول المؤلف إنها بدأت تتكاثر وتضطلع بدور متزايد منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي مع انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة، وظهور الديمقراطيات الجديدة. وقد تجلى صعود الحركات المدافعة عن حقوق الإنسان في مظاهر أهمها الإلحاح على احترام القانون الدولي الإنساني، واستحداث تشريعات وهيئات دولية جديدة ذات اختصاصات متصلة، مما دفع العديد من الدول إلى توخي أسس الشرعية، ومراعاة الأساليب والآليات المتصلة بحقوق الإنسان، لكن التحولات التي حدثت على هذا الصعيد، أغرت دولاً أخرى باستخدام مقولة حقوق الإنسان كوسيلة للضغط على حكومات ودول ذات سجلات ملطخة في مجال حقوق الإنسان.
ويعرض المؤلف عدداً كبيراً من الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأهمها ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الموقع سنة 1948، إضافة إلى اتفاقيات دولية عديدة مثل الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية الموقعتين في عام 1966، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948)، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965)، والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (1973)، واتفاقية خفض حالات انعدام الجنسية (1961)، واتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية (1968)، واتفاقية اليونسكو لمنع التمييز في مجال التعليم (1960)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979)، والاتفاقية الخاصة بالطفل (1989)، والاتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين (1951).
ثم يتعرض المؤلف لتلك الاتفاقيات والمواثيق الدولية لجهة الالتزامات التي تفرضها على الدول، مبينا أنها إما التزامات سلبية تقتضي الامتناع من جانب الدول أو المؤسسات أو الأفراد عن بعض الأعمال، أو التزامات إيجابية تدعو إلى أعمال أخرى محددة، أو التزامات مختلطة أي تمزج بين الامتناع عن العمل والقيام بعمل آخر في الوقت نفسه. أما عن إلزامية القواعد المتعلقة بحقوق الإنسان، فيستشهد المؤلف برأيين في هذا الخصوص، يرى أحدهما أن هذه القواعد تحتوي على التزامات دولية محددة وواضحة، خاصة بالنظر إلى ما أكدته محكمة العدل الدولية في قضية "برشلونة تراكشن". فيما ينفي الاتجاه الثاني أية قيمة قانونية لمواثيق حقوق الإنسان، ولا يرى لها سوى قيمة أدبية وسياسية فقط.
وانطلاقا من نظرته إلى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وحركة حقوق الإنسان العالمية، كانعكاس لمفهوم الثقافة الغربية حول حقوق الإنسان، خصص المؤلف في كتابه حيزا كبيرا لبيان التصور الإسلامي لحقوق الإنسان. فهذه الحقوق مصدر أحكامها هو الله جل جلاله، وفي ذلك أفضل ضمانة لاحترامها. أما تنفيذ تلك الأحكام والسعي إلى احترام النواهي والأوامر الواردة حولها فهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة. لذلك يميل المؤلف إلى التحدث عن "التشريع الإسلامي لحقوق الإنسان"، ويتردد في وصف القواعد الدولية حول حقوق الإنسان كتشريع في مجالها، إذ أن الشريعة حددت الحقوق ووضحت وسائل وطرق إنفاذها.
لكن كيف يمكن التوفيق بين عالمية حقوق الإنسان وخصوصيتها الإسلامية؟
يسوق المؤلف أربعة تحفظات سبق للدول العربية أن قدمتها حول الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، أولها يتعلق بحرية العقيدة، حيث ينص الإعلان على أن لكل شخص حريته في إظهار دينه أو تغييره، لكن المؤلف يشدد على الآية الكريمة: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". أما التحفظ الثاني فيتعلق بتطبيق نظام الحدود الشرعية والذي يتعرض لانتقادات شديدة من جانب حكومات ومنظمات حقوقية في الغرب، بينما يرى المؤلف أن الحدود هي السياج الأمثل لحماية حقوق الإنسان، كما أن تطبيقها واجب وفقا لنصوص صريحة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي حق من حقوق الله لا يملك الإمام ولا غيره سلطة إسقاطه. وفي القضية الثالثة، وتتعلق بحق المساواة، يستأنس المؤلف باجتهادات لعدد من المفكرين الإسلاميين المحدثين الذين طالبوا بإعادة النظر في كل الأحكام الفقهية حول "أهل الذمة"، كما أنه لا شيء في نظره يمنع من ولاية غير المسلم في الدولة الإسلامية. أما فيما يتعلق بالتحفظ الرابع حول الديمقراطية، فيرى أن الإسلام وضع مبادئ عامة تشكل أس