في الوقت الذي يتعامل العرب مع غيرهم على أساس أنهم جزء من القرية العالمية وأن المسافات تقاربت إلى درجة عدم وضوح تقاسيمها، نجد أن العرب فيما بينهم تبعدهم مسافات صحاريهم الكبرى. بدا ذلك واضحاً في التذبذب حول الاتفاق على القمة في تونس.
وقد دار قبل ذلك سجال وجدال وتعاطٍ في الأخذ والرد حتى استقر – ونقولها بتردد- الأمر على ضرورة اللقاء حتى لا يؤخذ علينا أكثر مما نحن فيه، وفق من يقول إن الاجتماع من أجل الاجتماع هدف لذاته لا يجب التفريط فيه لأننا بغيره لا نعرف ما المطلوب منا، فالقرارات كما هي لم تتغير لأنها مرتبطة بالأوضاع التي تتراجع إلى الخلف دُر مئات الخطوات دون إحراز أية خطوة متقدمة حيال كل ما نشكو منه. فمصير العراق خير شاهد عدل على أننا لا نملك إرادة الفعل ولا زمام الكلام النافع .
فالقمة المقبلة ستعقد بجر الأرجل الثقيلة على الحضور مع عدم وجود الدافع، فأغلبية الدول العربية لديها القناعة بأن القمة جزء من هيكل الجامعة العربية التي لم تستطع فعل شيء جديد.
فالقمة المظلومة لا يمكن لها أن تصف لظالميها الدواء المناسب لجراحات الأمة التي زاد النزف في عروقها، فمن فلسطين حيث النزف المتواصل لأكثر من نصف قرن، لحاقاً بالسودان الذي قد يتحول إلى سودانين ونحن نضحك من سخرية القدر، وقوفاً بالجزائر للحظات حيث المجازر التي لا تطال غير أبنائها، وأخيرا وليس آخراً في عراق ما بعد صدام، وهي فترة حري بنا، الكتابة عنها والتوثيق الدقيق والصحيح لما يجري بين جنباته، فهل هناك سوى القتل والقتل المضاد.
فهل في أفق القمة في تونس قرار واحد يوقف تلك الأحداث المتتالية، ليس بمفعول السحر طبعاً، ولكن بفعل تبني استراتيجية واضحة المعالم وجرأة تغلب الصالح العام للأمة العربية على نبرة المصالح الآنية أو الفردية والانكفاء حول تنمية المجتمع المحلي وكفى.
حتى يعقد العرب قمة (العافية) في تونس الخضراء، نكون قد مررنا على قمم عالمية مهمة لا نملك الوقت الكافي بمتابعتها لكثرة ما ينبثق منها من مشاريع تغير وجه التاريخ المعاصر وإن كان باستعمال العامل الأحادي كالطريق السريع للمعلومات التي تقلب على رؤوسنا كل الطرق البطيئة والضيقة في تفكيرنا نحو استحقاقات هذا الزمن الصعب.
إننا أمة لديها كل شيء إلا أنها في أمس الحاجة إلى القيام بالفعل الذي يغير مجرى التاريخ العربي، فإننا نشعر بالعجز الفجائي الذي يصدم قدراتنا ويحيلها إلى سراب يحسبه الظمآن ماءً.
ترى، هل من المنطق أن ننتظر القمم تلو الأخرى، حتى يحدث عندنا شيء أشبه بالمعجزات، لم يذكر من قبل لا في المقترحات ولا في القرارات التي لا ترى من النور الذي لا يشع بالعافية.
الجامعة العربية تعاني من النقص في الأموال والأنفس والثمرات وتبشر الصابرين بأن 80% من قراراتها منذ إنشائها لم تطبق ولا تملك القوة العادلة للدفاع عن أعضائها في حال الاعتداء الداخلي والخارجي ولا تستطيع تغيير آلياتها حول إلغاء تحقيق شرط الإجماع من أجل ضمان سريان مفعولها في قابل عهدها.